الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } * { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ }

{ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ } [الشورى: 20] بحمده وسعيه { نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } [الشورى: 20] بهدايتنا، وتوفيق مزيد طاعتنا، وصفاء الأحوال في المعارف بعنايتنا اليوم، ونزيده في الآخرة قربة ومكانة ورفعة في الدرجات، وشفاعة الأصدقاء والقرابات، { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا } [الشورى: 20] مكتفياً به { نُؤْتِهِ مِنْهَا } [الشورى: 20]؛ أي: من آفات حب الدنيا من عمى القلب وبكمه وصمه وسفهه، والحجب التي يتولد منها من الأخلاق الذميمة النفسانية، والأوصاف الردية الشيطانية السبعية، والبهيمية الحيوانية، { وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [الشورى: 20]؛ أي: في الأوصاف الروحانية والأخلاق الربانية.

ثم أخبر عن جفاء الشركاء بقوله تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } [الشورى: 21] يشير إلى كفار النفوس أنهم شرعوا عند استيلائهم من الدين بالهوى للأرواح والقلوب ما لم يرض به الله من مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة، { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ } [الشورى: 21]؛ يعني: ما سبق من الحكم بالحكمة في تأخير تكاليف الشرع لقمع الطبع تربية لقالب بحمل أعباء الشريعة، { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } [الشورى: 21] بالتكاليف والمجاهدات قبل البلوغ، { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ } [الشورى: 21]؛ يعني: في ظلم نفسه بمتابعة الهوى، { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الشورى: 21] بعد البلوغ في العظام من مألوفات الطبيعة بالأحكام الشرعية، { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ } [الشورى: 22] بمتابعة الهوى في الأوصاف الذميمة، { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } [الشورى: 22]؛ يعني: عذاب ما كسبوا ما في الدنيا بكثرة الرياضات وأنواع المجاهدات؛ لتزكية النفوس من أوصافها وتحليتها بأضدادها، وأما في الآخرة بورودها النار لتنقيتها، { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [الشورى: 22] استعملوا تكاليف الشرع؛ لقمع الطبع، وكسر الهوى، وتزكية النفس، وتصفية القلب، وتحلية الروح، { فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ } [الشورى: 22] في الدنيا جنات الوصلة والمعارف وطيب الأنس في الخلوة، وفي الآخرة في روضات الجنة، { لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } [الشورى: 22]؛ أي: مراتبهم في القربات والوصلات، والمكاشفات والمشاهدات، ونيل الدرجات على قدر همتهم ووفق مشيئتهم، { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } [الشورى: 22] في حق الأمة، والنبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بالفضل العظيم كما قال تعالى:وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [النساء: 113].