الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } * { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } * { لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } * { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ }

وبقوله: { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [فصلت: 47] يشير إلى علم جزاء أعمال العباد يوم القيامة، فإنه لا يعلمه إلا هو؛ لأنه { وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } [فصلت: 47]؛ أي: لا تخرج من ثمرة عمل من أعمال العباد من أحكام التقدير الإلهي، ولا تحمل أنثى نفس بحمل صفة من صفاتها، ولا تضع من عمل هو من نتائج تلك الصفة إلا بعلمه وتقديره الأزلي، { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي } [فصلت: 47]؛ يعني: الذين كانوا يرون أنهم يخلقوا أفعالهم وأعمالهم { قَالُوۤاْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } [فصلت: 47] يشهد أنه خالق فعله، وكوشفوا بأنه لا خالق إلا الله ولا وجود في الحقيقة إلا الله، { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ } [فصلت: 48] له وجود { وَظَنُّواْ } [فصلت: 48] وأيقنوا { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } [فصلت: 48] مهرب إلا الله عند قيام الساعة بتجلي صفة القهارية.

ثم أخبر عن اللوم الإنساني والكرم الرباني بقوله تعالى: { لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ } [فصلت: 49] يشير إلى أن الإنسان مجبول على طلب الخير بحيث لا تتطرق إليه الساعة، فبهذه الخصلة بلغ من بلغ رتبة خير البرية، وبها بلغ من بلغ دركة شر البرية وذلك؛ لأنه لما خلق لحمل الأمانة التي أشفق منها البريةفَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا } [الأحزاب: 72]، وهي عبارة عن الفيض الإلهي بلا واسطة وذلك فيض لا نهاية له، فلحملها احتاج الإنسان إلى طلب غير متناه، فصرف بعضهم هذا الطلب في قبول الفيض الإلهي وأعرض عن غيره متأخر البرية، ومن صرف هذا الطلب في تحصيل الدنيا وزينتها وشهواتها واستيفاء لذاتها فما شئتم من الطلب، وصار شر البرية، { وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ } [فصلت: 49] وهو فطامه عن مألوفات نفسه وهواه { فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } [فصلت: 49] لا يرجو زوال البلايا والمحن لعدم علمه بربه وانسداد الطريق على قلبه في الرجوع إلى الله؛ ليدفع عنه ذلك، { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ } [فصلت: 50]؛ أي: لئن كشفنا عنه البلاء وأوحينا إليه الرضاء لدعاه استحقاقاً واتفاقاً، ولا يعتقد ذلك هنا فضلاً وإنعاماً؛ لأنه محجوب بأنانيته عن هويتنا؛ بل يرى ذلك من جلادته وكفايته أو من طالعه وجده { لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي } [فصلت: 50] من حسن استعدادي وسعادة طالعي.

وبقوله: { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ } [فصلت: 50] بالحشر والنشر { إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [فصلت: 50] بحسب قسمي وسعد طالعي، { فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ } [فصلت: 50]؛ أي: فلينجزينهم بجزاء ما عملوا { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [فصلت: 50] وهو عذاب الطرد والبعد، وإفساد استعداد الروح لقبول الفيض وحرمة حرمانه، وقد كان معذباً بهذا العذاب ولكنه لم يجد ذوق العذاب وألمه، فلنذيقنه الآن بعد انتباهه من نومة غفلته.