الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } * { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } * { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } * { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ }

وبقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ } [فصلت: 41] يشير إلىإِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا } [فصلت: 40] وفي القرآن إنما ألحدوا فيه؛ لأنهم كفروا به لما جاءهم وإنما كفروا؛ لأنهم كانوا لأهل الخذلان، { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } [فصلت: 41]؛ يعني: القرآن وإن من عزته أن { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ } [فصلت: 42]؛ يعني: أهل الخذلان { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } [فصلت: 42]؛ يعني: بالإيمان به { وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [فصلت: 42] بالعمل به { تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ } [فصلت: 42] ينزل بحكمته على من يشاء من عباده لمن يشاء أن يعمل به { حَمِيدٍ } [فصلت: 42] في أحكامه وأفعاله؛ لأنها صادرة منه بالحكمة، وبقوله: { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } [فصلت: 43] يشير إلى تسلية أرباب الطلب المعرضين عن الخلق المقبلين على الله؛ يعني: أيها الطالب الصادق، إن أطلق الخلق لسان اللوم فيك، ويقال: إنه مجنون أو ساحر، فإنه قد قيل للرسل أكثر من ذلكفَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } [ق: 39]، { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ } [فصلت: 43] لك { وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } [فصلت: 43] لأعدائك وحسادك.

ثم أخبر عن نعمة القرآن وإنكار أهل الكفران بقوله تعالى: { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } [فصلت: 44] يشير إلى إزاحة العلة لمن أراد أن يعرف صدق الدعوة وصحة الشريعة، فإنه لا نهاية للتعلل بمثل هذه المعللات؛ لأنه تعالى لو جعل القرآن أعجمياً وعربياً، لقالوا: لولا جعله عبرانياً وسريانياً، ثم وصف القرآن بأنه شفاء للمؤمنين وسبب شقاء للكافرين بقوله: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ } [فصلت: 44] فهو شفاء للعلماء حيث استراحوا به عن حد الفكرة وتحير الخواطر، وشفاء لصدق صدور المريدين لما فيه من التنعم بقراءته والتلذذ بالتكفر فيه، وشفاء لقلوب المحبين من لواعج الاشتياق لما فيه من لطف المواعيد، وشفاء لقلوب العارفين لما يتوالى عليها من أنوار التحقيق، وآثار خطاب الرب العزيز: { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ } [فصلت: 44] لا يسمعون بقلوبهم من الحق فلا يستجيبون، ويقول: في ظلمات الجحد والجهل { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } [فصلت: 44] لا يزدادون على مر الأيام إلا الضلال { أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت: 44]؛ لأن النداء إنما يجيئ من فوق أعلى عليين، وهم في أسفل السافلين في الطبيعة الإنسانية وهم أبعد البعد.

وبقوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } [فصلت: 45] يشير إلى أن الإلهامات الربانية التي يلهم بها موسى الروح، فاختلف فيها فالقلب يؤمر بها، والنفس تكفر بها ولا تعمل بها { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } [فصلت: 45] في تأخير عذاب النفس بتكاليف الشريعة ومخالفة هواها إلى أجل مسمى، وهو حد البلوغ { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } [فصلت: 45] بتزكية النفس بأحكام الشرع { وَإِنَّهُمْ } [فصلت: 45]؛ يعني: النفوس وصفاتها { لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } [فصلت: 45]؛ يعني: من إلهامات الحق، هل هي من الله أم لا؟ { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً } [فصلت: 46] في تزكية نفسه { فَلِنَفْسِهِ } [فصلت: 46]؛ لأن فلاحها في صلاحها بالتزكية { وَمَنْ أَسَآءَ } [فصلت: 46] بمخالفات الشريعة { فَعَلَيْهَا } [فصلت: 46]؛ أي: فعليها راجعة إساءتها؛ لأنها تقاسي ضرها وتلافي شرها، { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } [فصلت: 46] بل هم يظلمون على أنفسهم بالإساءة.