الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } * { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ }

ثم أخبر عن إرسال الرسل، وإيضاح السبل بقوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ } [غافر: 78] يشير إلى أن الحكمة البالغة الأزلية اقتضت أنا نبعث قبلك رسلا، ونجري عليهم وعلى أممهم أحوالاً، ثمنَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ } [هود: 120] أنبائهممَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [هود: 120] ونؤدبك بتأديبهم؛ لتتعظ بهم، ولا نقدمك بالرسالة عليهم؛ ليتعظوا بك، فإن السعيد من يتعظ بغيره { وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } [غافر: 78]؛ لاستغنائك عن ذلك، تحفيفاً لك عما لا يعنيك، وهذه أمارة كمال العناية فيما قص عليه وفيما لم نقصص عليه، وفيه جواب من التمس منه صلى الله عليه وسلم أن يأتي بآية، فقال: كما أن ذكر الرسل وقصصهم ما كان بالتماس النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإرادة الله، كذلك { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } [غافر: 78] على ما اقتضت الحكمة والإرادة في إتيان الآية { قُضِيَ بِٱلْحَقِّ } [غافر: 78] بإتيانها في وقتها وإظهارها على يده كما التمسوها، { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [غافر: 78] الذين أرادوا إبطال الحق بتكذيب الآيات.

ثم أخبر أنه تعالى أظهر من الآيات لمصلحة عباده، وما لم يظهر أيضاً لم يظهر لمصلحتهم بقوله: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } [غافر: 79-80]؛ أي: خلقها لمنافعكم، ولو كان لكم فيها مفاز لم يخلقها ومنافعها { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } [غافر: 80]؛ يعني: خلق الفلك أيضاً لمصلحتكم ومنفعتكم.

وفيه إشارة أخرى: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا } [غافر: 79]؛ أي: خلق النفس البهيمية الحيوانية؛ ليكون مركباً لروحكم العليا { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ } [غافر: 80] من مشاهدة الحق ومقامات القرب { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } [غافر: 80]؛ أي: في صفاتها، وهي الشهوة الحيوانية، ومنفعتها أنها مركب العشق والغضب، وأنها مركب الصلابة في الدين، والحرص مركب الهمة، وبهذه المراكب يصل إلى المراتب العلوية، كما قال: { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ }؛ أي: صفات القلب { تُحْمَلُونَ }؛ أي: جوار الحق تعالى، { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } [غافر: 81] بتجلي صفاته { فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ } [غافر: 81]؛ أي: صفاته { تُنكِرُونَ } [غافر: 81] إذا تجلى بها؛ أي: لا يبقي معها الإنكار والجحود.