الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

ثم أخبر عن استدعاء الدعاء عن أهل الولاء بقوله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60]، يشير إلى أن معنى ادعوني؛ أي: لا تطلبوا مني غيري فإن من كنت له يكون له ما كان لي، وإن من يطلبني يجدني كما قال " إلا من طلبني وجدني " ، ويقال: { ٱدْعُونِيۤ } [غافر: 60] بشرط الدعاء، وشرط الدعاء الأكل من الحلال، وقيل الدعاء مفتاح الحاجة وأسنانه لقم الحلال، ويقال: كل من دعاه استجاب له إما بما سأله أو شيء آخر هو خير له منه، ويقال، الكافر ليس يدعوه؛ لأنه إنما يدعو من له شريك وهو لا شريك له، وكذلك المبتدع من المعطلة أو المشبهة لا يعبدون الله؛ لأنهم إنما يعبدون إلهاً لا صفات له من الحياة والسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة والإرادة بزعمهم، إنما يدعون إلهاً له جوارح وأعضاء من اليد والأصابع والأرجل والساق والعين، والله تعالى منزه عن ذلك فإنهلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11]، فأما أهل السنة فيثبتون له ذلك بالصفات لا بالأعضاء والجوارح، ولا يفسرونه ولا يؤدونه ويقرؤونه على ما أراد الله به ويؤمنون به، ويقولون: إذا ثبت أن هذا الخطاب للمؤمنين فما من مؤمن يدعوا الله ويسأله شيئاً إلا أعطاه إما في الدنيا وإما في الآخرة يقول له: هذا ما طلبته في الدنيا وقد ادخرتها لك إلى هذا اليوم، حتى يتمنى العبد انه ليته لم يعط شيئاً في الدنيا ويقال: ادعوني - بالسؤال - استجب لكم بالفضل والنوال، { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } [غافر: 60]؛ أي: عن دعائي وطلبي، { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ } [غافر: 60] الحرمان والبعد مني، { دَاخِرِينَ } [غافر: 60]؛ أي: ذليلين مهينين مردودين.

وبقوله: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } [غافر: 61]، يشير إلى ليل البشرية يسكنون أهل الرياضات والمجاهدات فيه إلى استرواح القلوب ساعة فساعة؛ لئلا يمل عن مداومة الذكر والتعبد وحمل أعباء الأمانة، { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } [غافر: 61]؛ أي: نهار الروحانية مظهراً للجد والاجتهاد في الطلب، والتصبر على التعب، وسكون الناس في الليل على أقسام:

أهل اللغة: يسكنون إلى استراحة النفوس والأبدان.

وأهل الشهوة: يسكنون إلى أمثالهم وأشكالهم في الرجال والنسوان.

وأهل الطاعة: يسكنون إلى حلاوة أعمالهم لبسطهم واستقلالهم.

وأهل المحبة: يسكنون إلى حنين النفوس، وحنين القلوب، وضراعة الأسرار، واشتغال الأرواح بنار الأشواق، وهم يقدمون القرار في ليلهم ونهارهم أولئك أصحاب الاشتياق أبداً في الاحتراق، { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [غافر: 62] الذي جعل سكونكم معه، وأنزع حكم له عن غيره، واشتياقكم إليه، ومحبتكم فيه، وانقطاعكم إليه، { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [غافر: 62] الذي يقلبكم في جميع الأحوال من حال إلى حال، ويستعملكم بجميع الأعمال والأقوال، { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [غافر: 62] مع رؤية هذه الآيات وكشف البينات إلا بقهر دامغ، وحكم بالغ.

السابقالتالي
2