الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } * { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } * { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

{ ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ } [غافر: 17] في بذل الوجود للمعبود، { لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 17]؛ يعني: يوم التجلي يكون بقدر بذل الوجود نيل الجود، فإن الحطب بقدر بذل الوجود المجازي ينال من جود النار بلا ظلم على الحطب من النار، بأن تأخذ وجود شيء من الحطب ولا تجود عليه من النارية بشيء، { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [غافر: 17] للعباد عند جريان هذه الأحكام؛ إذ جاء الحق وزهق الباطل بالسرعة.

{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ } [غافر: 18]، إن كانت قيامة العوام مؤجلة، فقيامة الخواص معجلة لهم في كل نفس قيامة من العتاب والعقاب والثواب، والبعاد والاقتراب، وما لم يكن لهم في حساب وشهادة الأعضاء فالدمع يشهد، وخفقان القلب ينطق، والتحول يخبر، واللون يفضح، والعبد يستر، ولكن البلاء يظهر، وإذا أزف فناء الصفات بلغت القلوب الخناجر، وعيونهم شرفت بدموعها، { مَا لِلظَّالِمِينَ } [غافر: 18] على أنفسهم بحمل أمانة المحبة { مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [غافر: 18]، يستغيثون به فيسقي في حقهم بالمساعدة؛ لخلاصهم من ورطة الهلاك، { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } [غافر: 19]، فخائنة أعين المحبين استحسانهم شيئاً غير المحبوب، والنظر إلى غير المحبوب خائنة أعين القلوب، وفي معناها قيل فقلت: إذا استحسنت غيركم أمرت الدموع بتأديبها { وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } [غافر: 19] من متمنيات النفوس، ومستحسنات القلوب، ومرغوبات الأرواح، فالحق تعالى بها خبير، ويكون السالك موقوفاً بها حتى يخرج عن تعلقها.

وبقوله تعالى: { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ } [غافر: 20]، يشير إلى أن الحق تعالى هو الذي يخرج السالكين عن تعلقات أوصافهم على ما قضى به وقدر في الأزل، لا عاملين عليها وإن كان بواسطة أعمالهم كقوله تعالى:ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة: 257] وإن كان بواسطة إيمانهم وأعمالهم الصالحة، وكذلك يقضي الأجانب بالبعاد، وبالوصال لأهل الوداد، { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } [غافر: 20] في الأزل قد سمع سؤال أهل الحوائج وهم بعد في العدم بلا وجود، وكذلك سمع أنين نفوس المذنبين، وحنين قلوب المحبين وهم مسبوقون بالعدم، { ٱلْبَصِيرُ } [غافر: 20] بحاجاتهم وبقضاء حوائجهم.