الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

ثم أخبر عمن يسلم إذا ألقى السلم بقوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [النساء: 94]، والإشارة فيها إلى البالغين الواصلين بالسير إلى الله تعالى؛ أي: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [النساء: 94]، وما قنعوا على مجرد الإيمان بالغيب، { إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [النساء: 94]؛ يعني: بل سرتم بقدم السلوك في طلب الحق، حتى صار الإيمان إيقاناً، والإيقان إحساناً، والإحسان عياناً، والعيان غيباً، وصار الغيب شهادة، والشهادة شهوداً، والشهود شاهداً، والشاهد مشهوداً، وبهما اقسم الله تعالى بقولهوَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } [البروج: 3]، فافهم جيداً، وهذا مقام الشيخوخة { فَتَبَيَّنُواْ } [النساء: 94] عن حال المريدين وتثبتوا في الرد والقبول، وفي قوله تعالى: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً } [النساء: 94]، وألقي إليكم السلام بالانقياد والاستسلام، فلا تقولوا: ألست مؤمناً؟ أي: صادقاً مصدقاً في التسليم لأحكام الصحبة، وقبول التصرف في المال والنفس بشرط الطريقة، ولا تردوه ولا تنفروه بمثل هذه الشدائد، وقوله كما أمر الله موسى وهارون عليهما السلامفَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } [طه: 44]، فما أنتم أعز من الأنبياء، ولا المريد المبتدئ أذل من فرعون، ولا يهونكم أمر رزقه فتجتنبون منه للتخفيف، وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى: { تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } [النساء: 94]، فلا تهتموا لأجل الرزق { فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } [النساء: 94]،وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 2-3]، { كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ } [النساء: 94]؛ أي: كذلك كنتم ضعفاء بالصدق والمطلب محتاجين إلى الصحبة والتربية والإرادة من قبل، { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } [النساء: 94] بصحبة المشايخ وقبولهم إياكم والإقبال على تربيتكم وإيصال رزقكم إليهم وشفقتهم وعطفهم عليكم، { فَتَبَيَّنُواْ } [النساء: 94]، أن تردوا صادقاً اهتماماً لرزقه، وتقبلوا كاذباً حرصاً على كثير المريدين، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ } [النساء: 94] في الأزل، { بِمَا تَعْمَلُونَ } [النساء: 94] اليوم من الرد والقبول والاحتياج إلى الرزق تهتمون له، { خَبِيراً } [النساء: 94]، فدبر الأمور وقدرها في الأزل وفرغ منها، كما قال: صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى فرغ من الخلق والخلق والرزق والأجل ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " الضيف إذا نزل، نزل برزقه، وإذا ارتحل، ارتحل بذنوب مضيفه ".

ثم أخبر عن فضل المؤمن المجاهد على المؤمن القاعد بقوله تعالى: { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النساء: 95] إلى قوله: { غَفُوراً رَّحِيماً } [النساء: 96].

والإشارة فيها: ألاَّ يستوي القاعدون عن طلب الحق، وإن كانوا أولي العذر من المؤمنين العالمين المتقين، { وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [النساء: 95] في طلب الحق القائمون في أداء حقوق الطلب، { بِأَمْوَٰلِهِمْ } [النساء: 95]؛ أي: بترك الدنيا { وَأَنْفُسِهِمْ } [النساء: 95]؛ أي: ببذل الوجود في طلب المعبود، { غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ } [النساء: 95]، غير بالرفع صفة المجاهدين؛ يعني: في الله حق جهاده ولا يرون ضرر الجهاد وضرراً على أنفسهم من بذل المال والأنفس، يدل عليه قوله تعالى:

السابقالتالي
2