الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } * { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً }

ثم أخبر عن بضاعة أهل الشفاعة بقوله تعالى: { مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا } [النساء: 85]، الإشارة فيها: إن من يشفع شفاعة حسن لإيصال نوع من الخيرات إلى الغير، فإنها من خصوصيتها أن يكون له نصيب منها؛ أي: فيه نصيباً من هذه الحسنة، فمن تلك الخصوصية قد يشفع شفاعة حسنة، { وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا } [النساء: 85]؛ يعني: من تلك السيئة التي هي إيصال نوع من الشر إلى الغير فيها قد شفع شفاعة سيئة، كما قال تعالى:وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } [الأعراف: 58]، إن الله تعالى { وَكَانَ ٱللَّهُ } [النساء: 85] في الأزل { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } [النساء: 85]، شهيداً في إيجاد المحن والمنى، مقتدراً عليماً حفيظاً فيهما من استعداد شفاعة حسنة وسيئة، لا يقدر اليوم على تبديل استعدادهما القابلية الخير والشر، فافهم جيداً.

{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ } [النساء: 86] من الخير والشر، { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ } [النساء: 86]، أما الخير فبخير أحسن، وأما الشر فبحلم وعفو ومكافأة الخير، { أَوْ رُدُّوهَآ } [النساء: 86]؛ يعني: كافئوا المحسن بمثل إحسانه، والمسيء بمثل إساءته، يدل عليه قوله تعالى:وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى: 40]، وقال تعالى:وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [البقرة: 237].

وقد روي " عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام، عن الله تبارك وتعالى في تفسير قول الله تعالى: { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199]، قال: " تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتعطي من حرمك " ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } [النساء: 86] من العفو والإحسان والإساءة، { حَسِيباً } [النساء: 86] محاسباً،فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [الزلزلة: 7-8].

{ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [النساء: 87]؛ يعني: كان الله في الأزل، { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [النساء: 87] أي: لم يكن معه أحد يوجد الخلق من العدم، { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } [النساء: 87] في العدم مرة أخرى إلى أخرى إلى أخرى { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [النساء: 87]، فيغرقكم فيها،فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ } [الشورى: 7]،فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 55]، { لاَ رَيْبَ فِيهِ } [النساء: 87]، لا شك في الرجوع إلى هذه المنازل والمقامات، { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } [النساء: 87]، ليحدثكم بمصالح دينكم ودنياكم ومفاسد أخراكم وأولاكم، ويهيدكم إلى الهدى وينجيكم من الردي.