الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } * { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } * { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }

ثم أخبر عن إمارة أخرى بقوله تعالى: { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ } [النساء: 53]؛ يعني: إمارة المغرورين بعلم الظاهر الممكورين بمكر النفس والشيطان، بل بمكر الحق إن لو كان لأحدهم من المال والملك نصيب وأفسر، { فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } [النساء: 53]، من أهل الحق والعلم الحقير، نقيراً من الحسد والبغض والحقد لأرباب الحقيقة والمنافاة فيما بينهم.

ثم أخبر عن إمارة أخرى فيهم وهي الحسد بقوله تعالى: { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } [النساء: 54]، وهم أرباب الحقيقة { عَلَىٰ مَآ آتَٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [النساء: 54]؛ أي: من علوم لدنية من غير تعليم، هو أعطاهم وعلمهم فضلاً منه ورحمة، فلا يضرهم حسد الحاسدين، { فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } [النساء: 54]، والإشارة في: آل إبراهيم إلى أهل الخلة والمحبة فإنهم آل إبراهيم في الخلة، كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم من آلك يا رسول الله؟ فقال: " كل مؤمن " ، ويشير بالكتاب والحكمة إلى العلم الظاهر الذي يتعلق بالكتابة والدراسة، والعلم الباطن الذي يتعلق بأحكام الإيقان من شواهد الغيب؛ يعني: فإن أرباب الحقيقة الذين يقتدى بهم في هذا الشأن من أعطاهم العلم الظاهر من علم الكتاب والسنة، والعلم الباطن الذي هو الحكمة، { وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } [النساء: 54]؛ يعني: معرفة الله تعالى، فإن الملك الحقيقي هو المعرفة العظيمة على الإطلاق.

ثم أخبر عن علماء الظاهر المقبول المقبل منهم والمردود والمدبر منهم، بقوله تعالى: { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ } [النساء: 55]، يشير إلى من صدق العلماء المحققين بما أعطاهم الله واستفاد منهم بالصدق والإرادة، وما حسد عليهم، { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } [النساء: 55]، واعترض عليه وأنكره وحسده وآذاه بالقول والفعل مهما قدر عليه، { وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ } [النساء: 55]، نفسه المنكرة الملعونة الحاسدة، { سَعِيراً } [النساء: 55]، تسعر على حسناتهم نار الحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، فيحشر يوم القيامة بلا حسناتوَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ } [البقرة: 81]،أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } [الأعراف: 36]، بل يكون هو سعيراً يه تسعر جهنم على أهلها، كقوله تعالى:نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } [التحريم: 6]، فافهم جيداً، وانتبه واعتبر.

ثم أخبر عن حال من كفر بهذه الآيات وتوجد فيه هذه الإمارات بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } [النساء: 56]، إشارة في الآية: إن الذين كفروا؛ أي: جحدوا من مدعي العلم بآياتنا؛ يعني: بأوليائنا، وإن الأولياء هم مظهر آيات الحق ومظهرها، وهم بذواتهم مظهر آيات العالمين وحجج من الحق على الخلق، كقوله تعالى:وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } [المؤمنون: 50]، { سَوْفَ نُصْلِيهِمْ } [النساء: 56]؛ يعني: في الدنيا نار الحسد والإنكار، { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } [النساء: 56]؛ أي: صفاتهم بنار الحسد، { بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [النساء: 56] من الصفات، وذلك أن للإنسان جلوداً بعضها نوراني وهو الصفات الحميدة الروحانية، وبعضها ظلماني وهي الصفات الذميمة النفسانية، وكن للنوراني جلود وجميعها بالنسبة إلى نور التوحيد والمعرفة وهو نور الله جلود، ولهذا ذكر الله تعالى النور بلفظ الوجدان والظلمات بلفظ الجمع في مواضع من القرآن، كقوله تعالى:

السابقالتالي
2