الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

{ يَوْمَئِذٍ } [النساء: 42]؛ يعني: يوم شهادة هذه الأمة على من كفر من الأمم في الدنيا، ومجد الكفر في الآخرة بعد كفرهم وجحودهم، وإقامة البينة بشهادة هذه الأمة عليهم.

{ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ } [النساء: 42]؛ أي: كل فرقة رسولهم، { لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ } [النساء: 42]، حجالة عن الله والإشهاد وخوفاً من العذاب والنار، وحسرةعَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } [الزمر: 56] بإبطال استعداد الفطرةٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [الروم: 30]، وتقصيراً استعمال وصرفه في الاستكمال الذي صرفه إليه غيرهم، { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [النساء: 42]؛ يعني: إذا جحدوا مع الله وكتموا كفرهم بقولهم:وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [الأنعام: 23].

ثم أخبر عن خسران السكران بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [النساء: 43]، إشارة في الآية: إن الصلاة هي معراج المؤمن وميقات مناجاته، والمصلي هو الذي يناجي ربه، فقال تعالى: { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [النساء: 43]، يا أهل الإيمان، { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } [النساء: 43] في مناجاتكم مع ربكم، فيه دلالة على أن من يصلي ولا يعلم ما يقول ومع من يقول فحكمه حكم السكران الساهي عما يقول، فيكون حاصله من الصلاة الويل، كما قال تعالى:فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } [الماعون: 4-5]، وفيه إشارة أخرى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [النساء: 43]، يا مدعي الإيمان لا تجدون القربة في الصلاة وأنتم سكارى من الغفلات وتتبع الشهوات، حتى تعلموا ما تقولون في مناجاتكم مع ربكم، ولماذا تقولون كما تقولون الله أكبر لتكبيرة الإحرام عند رفع اليدين، ومعناه الله أعظم وأجل من كل شيء، وإن كنت تعلم عند التقول به فينبغي أن لا تكون في تلك الحالة في قلبك عظمة شيء آخر، وإمارة ذلك ألا تجد ذكر شيء في قلبك مع ذكره ولا محبة لشيء مع محبته ولا طلب شيء مع طلبه، فإنه تبارك وتعالى واحد لا يقبل الشركة في جميع صفاته، وإلا كنت كاذباً في قولك: الله أكبر، بالنسبة إلى حالك، وكذلك عند قولك:وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [الأنعام: 79]، فإن كان في قلبك توجه إلى شيء من الدنيا والآخرة ولك مطلوب غير الله فأنت كاذب في ذلك، فقس الباقي على هذا، فإن جميع حركاتك في أثناء الصلاة وكلماتك تشير إلى سر من أسرار الرجوع والعروج من مقام البشرية إلى حضرة الربوبية، فإن كنت غافلاً عن هذه الأسرار والإشارات فتكون كالسكران لا تجد القربة من صلاتك؛ لأن القربة مشروطة بشرط السجود كما خوطبت:وَٱسْجُدْ } [العلق: 19]؛ أي: تنزل مركب أوصاف وجودك لتحمل على رفرف وجوده إلى قاب قوسين أوصاف وجوده لشهود جماله وجلاله، وهذا هو ستر التشهد بعد السجود.

السابقالتالي
2