الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَٰحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } * { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }

{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } [النساء: 35]، يشير إلى خلاف يقع بين الشيخ الواصل في المريد المتكامل، { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ } [النساء: 35]، متوسطين؛ أحدهما: من المشايخ المعتبرين، والثاني: من معتبري السالكين؛ لينظر إلى مقالها ويتحققا أحوالهما، { إِن يُرِيدَآ إِصْلَٰحاً } [النساء: 35]، بما رأى فيه صلاحهما { يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ } [النساء: 35]، بالإرادة وحسن التربية، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ } [النساء: 35] في الأزل { عَلِيماً } [النساء: 35]، بأحوالهما، { خَبِيراً } [النساء: 35] بجمالهما، فقدر لكل واحد منهما بما عليهما وبما لهما.

ثم أخبر عما لهما وعليهما بقوله تعالى: { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } [النساء: 36]، إشارة في الآيات: إن العبد مأمور بعبادة الله تعالى وعبوديته بالإخلاص دون الشرك فيهما، بقوله تعالى: { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [النساء: 36]، فالعبادة أن تعبدوا الله وحده بطريق أوامره ونواهيه، ولا تعبد معه شيئاً من الدنيا والعقبى، فإنك لو عبدت الله خوفاً من شيء أو طمعاً في شيء فقد عبدت ذلك الشيء، لقوله تعالى:وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } [الحج: 11]، قال تعالى:يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } [السجدة: 16]، والعبودية طلب المولى للمولي بترك الدنيا والعقبى، والتسليم عند جريان القضاء شاكراً صابراً في النعماء والبلوى، كقوله تعالى:يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الأنعام: 52]، فإذا حصل المقصود وصل العابد إلى المعبود، فحينئذ يصح عنه، { وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } [النساء: 36]؛ لأن الإحسان من صفات الله تعالى، كقوله:ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [السجدة: 7]، والإساءة من صفات الإنسان فإن النفس الأمارة بالسوء، فالعبد لا يصدر منه الإحسان إلا أن يكون متخلقاً بأخلاق الله تعالى فانياً عن أخلاق نفسه، كما قال تعالى:مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [النساء: 79]، وفيه إشارة أخرى؛ وهي: إن لشرط العبودية الإقبال إلى الله تعالى بالكلية والإعراض عما سواه، حتى يخرج عن عهدة العبودية بالوصول إلى حضرة الربوبية، فتفنى عنك به وتتقرب به للوالدين، وغيرهما محسناً بإحسانه لا بشرك ورياء، فإن الشرك والرياء هاء النفس، فإذا فنيت النفس فنيت أوصافها، ولهذا قال تعالى عقيب الآية: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } [النساء: 36]؛ لأن الاختيال والفخر من أوصاف النفس، والله تعالى لا يحب النفس ولا أوصافها؛ لأن النفس لا تحتسب الدنيا ولا المحبة من أوصافها، فإن النفس تحب الدنيا وتبخل بها وتأمر بالبخل.