ثم أخبر أن الاجتناب عن الكبائر المنهي عنها بقوله تعالى: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } [النساء: 31]، يوجب تكفير الصغائر، لقوله تعالى: { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } [النساء: 31]، وعند انتفاء الصغائر والكبائر يمكن الدخول في المدخل الكريم وهو حضرة أكرم الأكرمين، لقوله تعالى:{ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ } [النور: 26]، وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب " ، وتفاصيل الكلام مر ذكرها وإن جملتها مندرجة في ثلاثة أشياء: إحداها: إتباع الهوى، فقد يقع الإنسان به في جملة من الكبائر، مثل: البدعة والضلالة، والارتداد والشبهة، وطلب الشهوات واللذات، والتمتعات وحظوظ الأنفس بترك الصلاة والطاعات كلها، وعقوق الوالدين، وقطع الرحم، وقذف المحصنات وأمثالها، ولهذا قال:{ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ص: 26]، وقال تعالى:{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الجاثية: 23]، وأهله الله على علم. وقال صلى الله عليه وسلم: " ما عُبد إلهٌ في الأرض أبغض على الله من الهوى ". وثانيها: حب الدنيا، فإنها مظنة كثيرة من الكبائر مثل: القتل والظلم والغضب، والنهب والسرقة، والربا وأكل مال اليتيم، ومنع الزكاة، وشهادة الزور وكتمانها، واليمين الغموس، والحيف في الوصية وغيرها، واستحلال الحرام ونقض العهد وأمثاله، ولهذا قال تعالى:{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء: 48]، وقال تعالى:{ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]. وقال صلى الله عليه وسلم: " إن أكبر الكبائر الإشراك بالله ". وقال صلى الله عليه وسلم: " اليسير من الرياء شرك ". وقال المشايخ: وجودك ذنب، فمن تخلص عن ذنب وجوده فلا يرى غير الله، فلا ينشأ منه الشرك ولا حب الدنيا، ومن تخلص من الهوى فيتحقق له الوصول واللقاء، كقوله تعالى:{ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } [الكهف: 110]، لعمري أن هذا هو المدخل الكريم، والفوز العظيم، والنعيم المقيم. ثم أخبر أن نيل هذه المقامات والكرامات ليس بالتمني، بل بالجد والسعي بقوله تعالى: { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ } [النساء: 32]، إشارة في الآيتين: أن ما فضل الله به بعض الإنسان على بعض من كمالات الدين ومراتب أهل اليقين لا تحصل بمجرد التمني، كما قال صلى الله عليه وسلم: " ليس الدين بالتمني " ، فقال تعالى: { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [النساء: 32]، فإنه لا يحصل بالتمني، ولكن { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ } [النساء: 32]؛ أي: الذين{ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [النور: 37] والقائمين بأمر الله المجتهدين في طلب الله المعرضين عن غير الله، { نَصِيبٌ } [النساء: 32] مما جدوا في طلبه واجتهدوا حق الجهاد بالسعي الجميل والصبر الجزيل، يدل عليه قوله تعالى: