الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } * { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً }

ثم أخبر عن مراده لعباده بقوله تعالى: { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } [النساء: 26]، إشارة في الآيات: إن الله تعالى أنعم على هذه الأمة بإرادة أشياء بهم:

أولها: التبيين بقوله تعالى: { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } [النساء: 26]؛ وهو أن يبين لهم الصراط المستقيم إلى الله.

وثانيها: الهداية بقوله تعالى: { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } [النساء: 26]؛ يعني: من الأنبياء والأولياء، وهو أن يهديهم إلى صراط المستقيم بالعيان بعد البيان، وثالثها: التوبة عليهم بقوله تعالى: { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [النساء: 26]، { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } [النساء: 27]، { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً } [النساء: 28]؛ وهي أن يرجع بهم إلى حضرته على صراط الله تعالى، ورابعها: التخفيف عنهم بقوله تعالى: { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } [النساء: 28]؛ وهي أن يوصلكم إلى حضرته بالمعونة ويخفف عنكم المؤنة، وهذا مما اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته لوجهين:

أحدهما: إن الله تعالى أخبر عن ذهاب إبراهيم عليه السلام إلى حضرته باجتهاده، وهو المؤنة، وقال تعالى:وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا } [الأعراف: 143]، وأخبر تعالى عن آل نبينا صلى الله عليه وسلم:سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا } [الإسراء: 1] الذي هو المعونة فخفف عنهم المؤنة.

وأخبر عن حال هذه الأمة بقوله تعالى:سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [فصلت: 53]، وهذا أيضاً بالمعونة وهي جذبات العناية، فقال صلى الله عليه وسلم: " جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين " ، وقوله:يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [الفجر: 27-28]، هو أيضاً جذبة العناية، فافهم جيداً.

والوجه الثاني: إن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته مخصوصون بالوصول والوصال مخففون عنهم كلفة الفراق والانقطاع، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد حصن بالوصال إلى مقامفَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 9]وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } [النجم: 13]، وبقوله:مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [النجم: 11]، وانقطع سائر الأنبياء - عليهم السلام - في السماوات السبع.

كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة الإسراء قال: " رأيت آدم في سماء الدنيا، إلى أن قال: رأيت إبراهيم في السماء السابعة " ، فعبر عنهم جميعاً إلى كمال القرب والوصول، وأما الأمة فقال تعالى في حقهم: " من تقرب إليَّ شبراً، تقربت إليه ذراعاً " ، وقال تعالى: " لا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته، كنت له سمعاً وبصراً " ، وهذا هو حقيقة الوصول والوصال، ولكن الفرق بين النبي والولي في ذلك: إن النبي مستقل بنفسه في السير إلى الله، ويكون خطه من كمل مقام بحسب استعداده الكامل، والولي لا يمكنه السير إلى الله إلا في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم تسليكه في سبيل

السابقالتالي
2 3