الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

ثم أخبر عن التوبة والثواب، والتأيب الآيب إلى الباب بقوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ } [النساء: 17]، إشارة في الآيتين: إنما التوبة على الله التي أوجب الله تعالى بفضله على ذمة كرمه قبولها، إنما هي توبة { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ } [النساء: 17] فحسب، فإن للنفس الأمارة صفتين: الظلومية والجهولية، والجهولية داخلة في الظلومية؛ لأن الظلومية تقتضي المعصية والإصرار عليها، والإصرار على المعصية يؤدي إلى الشرك، والشرك يميت القلب، ولهذا وصف الله تعالى الشرك بالظلم العظيم وقال:إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]، والجهولية تقتضي المعصية فحسب، فالعمل إذا كان مصدره الجهولية فحسب يكون على عقبة التوبة، كما قال تعالى: { ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ } [النساء: 17]، وللقريب هاهنا معنيان:

أحدهما: أن تكون التوبة عقيب المعصية فيقبلها الله فيمحوها بها، كما قيل في قوله تعالى:إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } [هود: 114] والحسنات: هي التوبة عقبيها في قوله صلى الله عليه وسلم: " اتبع السيئة الحسنة تمحها الحسنة " ؛ هي التوبة، والمعنى الثاني: من قريب؛ أي: قبل أن يموت القلب بالإصرار، فإن الله لا يقبل التوبة من قلب ميت؛ لأنها تكون باللسان اضطرارية، وبالقلب اختيارية، { فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } [النساء: 17]؛ يعني: هذا الذي أوجب الله تعالى بفضله على ذمة كرمه قبل خلقهم أن يوفقهم للتوبة، { وَكَانَ ٱللَّهُ } [النساء: 17] في ذلك التقدير، { عَلِيماً } [النساء: 17] بمن يتوب عقيب المعصية، { حَكِيماً } [النساء: 17]، فيما قدر ودبر من الأمور.

{ وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ } [النساء: 18]؛ يعني: المقبولة { لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } [النساء: 18] المصرين عليها من الظلومية، { حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } [النساء: 18]؛ يعني: موت القلب بالإصرار، { قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ } [النساء: 18]، باللسان اضطراراً، أو يتوب بترك عمل السوء تكلفاً، ولا يرجع قلبه إلى الله تعالى، فإن أصل التوبة الرجوع بالكلية إلى الله تعالى ظاهراً وباطناً، { وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } [النساء: 18]؛ يعني: ولا يقبل توبة من يموت وقلبه ميت بالكفر، { أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ } [النساء: 18]؛ أي: قدر قبل خلقهم { عَذَاباً أَلِيماً } [النساء: 18]؛ أي: عذاب الكفر في الدنيا وهو مؤلم في الآخرة.

ثم أخبر عن أهل الإيمان، ونهاهم عن عقل النسوان بقوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } [النساء: 19]، إشارة في الآيات: إن الله تعالى أرشد بقوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } [النساء: 19]، إلى أن هذه المعاملات من عضل النسوان، ومنعهن من الزواج طمعاً في ميراثهن، أو إضرارهن ليفتدين منكم، { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ } [النساء: 19]؛ لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن من المهور، أو تأخذون ما أعطيتموهن من المهر ولو كان قنطاراً، { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } [النساء: 19].

ثم أرشدهم إلى سبيل المؤمنين وأخلاق الموحدين بقوله تعالى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً } [النساء: 19]، وتصبروا عليه لله تعالى: { وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } [النساء: 19] في الدنيا والآخرة، فإن الخير الكثير ما يكون باقياً ولا يكون الفاني إلا قليلاً.