الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً }

ثم أخبر عن أهل الغلو وهم أهل السلو بقوله تعالى: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } [النساء: 171]، الإشارة أن الغلو والمبالغة في الدين والمذهب حتى يجاوز حداً غير مرضٍ، كما أن كثير من هذه الأمة غلواً في مذهبهم، فمن ذلك مذهب الغلاة من الشيعة على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه حتى ادعوا بإلهيته فقال: الشاعر فيهم:
قوم غلوا في علي لا أبالهم   واجتثموا أنفاً في عبده نصباً
قالوا هل الله جل خالقنا   عن أن يكون بشيء أو يكون أبا
وكذلك المعتزلة غلوا في التنزيه حتى نفوا صفات الله، وكذلك المشبهة غلوا حتى في إثبات الصفات حتى جسموه،وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } [الإسراء: 43] ولدفع الغلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم " ، فقال تعالى: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } [النساء: 171]، وذلك لأن الغلو من العصبية وهي من صفات النفس المذمومة، والنفس هي أمارة بالسوء ولا تأمر إلا بالباطل، والإشارة في قوله تعالى: { لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } [النساء: 171]، إلى ألاَّ تتكلموا في الدين بأمر النفس؛ لأنها لا تأمركم بالقول الحق، { وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ } [النساء: 171] إلا بأمر القلب، فإنه يأمركم بالقول الحق، لأنه بين أصبعين من أصابع الرحمن، فلا يأمر إلا بالقول الحق، { إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ } [النساء: 171] لا ابن الله وهذا هو القول الحق، وكذلك ما قاله عيسى عليه السلام:إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ } [مريم: 30]، وفي قوله تعالى: { وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ } [النساء: 171]، إشارة إلى أن عيسى عليه السلام كان يكلمه الله تعالى، وهي قوله:كُن فَيَكُونُ } [آل عمران: 59]، بكلمته من غير واسطة أب، فإن تكوين الخلق كلمة بكلمة كن، ولكن بالوسائط بأن يتعلق كن بتكوين الأبناء، فلما كان تعلق أمر كن بعيسى عليه السلام في رحم مريم من غير تعلقه بتكوين أب له فتكون عيسى عليه السلام بأمر كن وكن هي كلمة الله، فعبر عن ذلك بقوله تعالى: { وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ } [النساء: 171]، يدل عليه قوله تعالى:إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 59]؛ يعني: في التكوين،كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } [آل عمران: 59]؛ يعني: سوى جسمه من تراب، ثم قال له؛ يعني: عند بعث روحه إلى القلبكُن فَيَكُونُ } [آل عمران: 59]، وإنما ضرب مثله بآدم في التكوين؛ لأنه أيضاً تكون بكلمة من غير واسطة أب، وشرف الروح على الأشياء بأنه أيضاً تكون بأمر كن بلا واسطة شيء آخر، فلما تكون بأمر كن يكون كن سمي روح منه؛ لأن الأمر منه كما قال تعالى:

السابقالتالي
2 3