الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } * { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

وفي قوله تعالى: { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } إشارة إلى: إن تلك الوراثة والأنصباء حدود حدها الله لورثة الدين على قدر تعارف أرواحهم في عالم الأرواح، وعلى نسبته مناسباً في القرابة النسبية والسببية، كما قال صلى الله عليه وسلم: " الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ".

{ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [النساء: 13] فقد حق نسبته في الدين، { يُدْخِلْهُ } [النساء: 13] نسبه، { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } [النساء: 13] على قدر استحقاقه في الوراثة المحققة بالطاعة؛ لأنه من الوارثينٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ } [المؤمنون: 11]، { وَذٰلِكَ } [النساء: 13] الوراثة والميراث، { ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [النساء: 13].

{ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [النساء: 14] فقد حق إبطال نسبته في الدين، { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } [النساء: 14] في الوراثة بقرابة الدين عصيانه ويعذبه { يُدْخِلْهُ نَاراً } [النساء: 14]؛ أي: نار القطيعة والحرمان على قدر استحقاقه في المعصية والتعدي، { خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [النساء: 14] من هذا الخلود في نار الحسرة والحرمان، وفوات نعيم الجنان ولقاء الرحمن.

ثم أخبر عن مهاد أهل الفواحش بقوله تعالى: { وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ } [النساء: 15]، إشارة في الآيتين: إن اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم هي النفوس الأمارة بالسوء، والفاحشة: ما حرمته الشريعة من أعمال الظاهر وهي المعاصي، وحرمته الطريقة من أحوال الباطن وهي الركون إلى غير الله تعالى، يدل عليه قوله تعالى:إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [الأعراف: 33]، فما ظهر منها فهو الأعمال، وما بطن منها فهو الأحوال، وقال صلى الله عليه وسلم: " لسعد غيور وأنا أغير منه والله أغير منا " ؛ ولهذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، { فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ } [النساء: 15]؛ أي: على النفوس بإتيان الفاحشة، { أَرْبَعةً مِّنْكُمْ } [النساء: 15]؛ أي: من خواص العناصر الأربعة التي أنتم منها مركبون وهي:

التراب: ومن خواصه الخسة والركاكة، والذلة والطمع، والمهانة واللوم، والماء: ومن خواصه اللين والعجز والكسل، والأنوثة والخبوثة، والشره في المأكل والمشرب، والهواء: ومن خواصه الحرص والحسد والبخل، والحقد والعداوة، والشهوة والزينة، والنار: ومن خواصها التبختر والتكبر، والفجر والصلف، والغضب والحدة وسوء الخلق وغير ذلك مما يتعلق بالأخلاق الذميمة، ورأسها حب الدنيا والرياسة واستيفاء لذاتها وشهواتها، { فَإِن شَهِدُواْ } [النساء: 15]؛ أي: يظهر بعض هذه الصفات من النفوس، { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ } [النساء: 15]، فاحبسوهن في سجن المنع عن التمتعات الدنيوية، فإن الدنيا سجن المؤمن، وأغلقوا عليهن أبواب الحواس الخمس { حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ } [النساء: 15]؛ أي: تموت النفس إذا انقطع عنها حظوظها دون حقوقها، إلى هذا أشار بقوله صلى الله عليه وسلم: " موتوا قبل أن تموتوا " ، { أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } [النساء: 15]، بانفتاح روزنة القلوب إلى عالم الغيب، فتهب منها ألطاف الحق وجذبات الإلوهية التي جذبة منها توازي عمل الثقلين.

{ وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ } [النساء: 16]؛ أي: النفس والغالب اللذان يأتيان الفواحش في ظاهر الأفعال والأعمال، وباطن الأحوال والأخلاق { فَآذُوهُمَا } [النساء: 16]، ظاهراً بالحدود، وباطناً بترك الحظوظ وكثرة الرياضات والمجاهدات، { فَإِن تَابَا } [النساء: 16] ظاهراً وباطناً، { وَأَصْلَحَا } [النساء: 16] كذلك { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ } [النساء: 16] باللطف بعد العنف، وبالرفق بعد الخرق، وباليسر بعد العسر،فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح: 5]، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً } [النساء: 16]، لمن تاب، { رَّحِيماً } [النساء: 16] لمن أصلح.