الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } * { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }

{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ } [النساء: 140]؛ أي: في كتاب العهد يوم الميثاق { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا } [النساء: 140]؛ أي: النفوس وأربابها، { فَلاَ تَقْعُدُواْ } [النساء: 140]، الخطاب للقلوب وأربابها { مَعَهُمْ } [النساء: 140]؛ أي: مع النفوس؛ أي: لا تصاحبوهم ولا توافقوهم في شيء من أهوائهم، { حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [النساء: 140]، فإن تفعلوا أيها القلوب وأربابها، { إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ } [النساء: 140]، مثل النفوس وأربابها؛ يعني: يكون القلب كالنفس، وصاحب القلب كصاحب النفس بالصحبة والمخالطة والمتابعة، { إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } [النساء: 140]؛ لأنهم كانوا في عالم الأرواح في صف واحد، وفي الدنيا بذلك التناسب والتعارف في فن واحد، وقال: صلى الله عليه وسلم " كما تعيشون تموتون، وكما تموتون تحشرون " ، فافهم جيداً.

ثم أخبر عن أخلاق أهل النفاق بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } [النساء: 141]، إشارة فيها: إن المنافقين الذين يتربصون بكم، { فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ } [النساء: 141] من الفتوحات الدنيوية، { قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } [النساء: 141] طمعاً فيه لما حرموا علو الهمة في الدين وعدموا خلوص العقيدة في علم اليقين تربصوا للفتوحات الدنيوية، وذهلوا عن الفتوحات الأخروية والحضرية؛ وهي { فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ } [النساء: 141]؛ يعني: ما يفتح الله للناس من رحمة ومن فتوحات الغيب وشواهد الحق حتى { وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } [النساء: 141] من الدنيا والمرادات الدنيوية { قَالُوۤاْ } [النساء: 141]؛ لخسة عقلهم ودناءة همتهم وقصورهم { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النساء: 141]، طاروا بأجنحة الأطماع والخذلان عن إنكار الإيمان إلى منازل الكفر ودركات النيران، ثم يؤدي بأنهم أهل الملامة، { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [النساء: 141]؛ ليعلم مَنْ أهل العزة والكرامات، ومَنْ أهل العزة والندامات، { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [النساء: 141]، فإن وبال كيدهم إليهم مصروف، وجزاء مكرهم عليهم موقوف، والحق من قبل الحق سبحانه وتعالى منصور أهله، والباطل بنصر الحق محيت أهله.