الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }

ثم أخبر عن قسط الشهداء ولو على الآباء والأقرباء بقوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ } [النساء: 135]، إشارة في الآية: أمر الله في خطابه مع المؤمنين حيث قال: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ } [النساء: 135] أمر تكوين وتحويل، فلا بد وأن يكونوا كما كونهم، نظيره قوله تعالى:قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً } [الأنبياء: 69] فكانت كما أمرت وكونت، فلما قال تعالى للمؤمنين الذين كونوا مشاراً إليهم بذكر الإيمان: { كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ } [النساء: 135]، فيكونوا قائمين به وبحكمته البالغة وفي قوله: { شُهَدَآءَ للَّهِ } [النساء: 135]، إشارة إلى عوام المؤمنين أن كونوا شهداء الله بالتوحيد والوحدانية، { بِٱلْقِسْطِ } [النساء: 135] يوماً ولو كان في آخر نفس من عمرهم على حسب ما قدر لهم، ويكونهم كما شاء ومتى شاء بمشيئته الأزلية، وأشار إلى الخواص أن كونوا شهداء لله حاضرين مع الله بالفردانية، وأشار إلى أخص الخواص أن كونوا شهداء في الله غائبين عن وجودكم في شهوده بالوحدة.

ثم اعلم أن في إشارته إلى الخواص شركة للملائكة كما قال تعالى:شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [آل عمران: 18]؛ وهي تدل على هذا التأويل، وأما إشارته إلى أخص من الأنبياء وكبار الأولياء؛ وهم أولوا العلم فمختصة بهم من سائر العالمين، وفي هذا سر عظيم لا يبخل بالعقول المجردة، فضلاً عن العقول المركبة المدنسة بدنس الوهم والخيال والخس، ولأولي العلم سير في شهودشَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [آل عمران: 18]، وليس للملائكة وأولوا العلم في هذا الشهود مدخل، إلا أنهم قائمون بالقسط في شهود الوحدانية والفردانية كما حذرنا، وهم بمعزل عن شهود الوحدانية، فافهم جيداً.

وفي قوله تعالى: { وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } [النساء: 135]، إشارة إلى: إن كونوا شهداء لله في شهود الوحدة، { وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ } [النساء: 135] بإفنائها، { أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ } [النساء: 135] بنفيهما في طلب الحق عن الالتفات والتعلق بهما. { وَٱلأَقْرَبِينَ } [النساء: 135]؛ أي: والأقربين، { إِن يَكُنْ } [النساء: 135] الوالدين، { غَنِيّاً } [النساء: 135] لا يحتاجون إلى التفاتك إليهما، { أَوْ فَقِيراً } [النساء: 135] يحتاجون إليك في النفقة وغيرها، { فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } [النساء: 135]، فإنه خالقها ورازقهما لا أنتم، { فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ } [النساء: 135] في رعاية حقوقهم، { أَن تَعْدِلُواْ } [النساء: 135] عن طلب الحق ورعاية حق الربوبية بالعبودية، فإن الله قدم العبودية على حقوقهما، وقال:لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [البقرة: 83]، ثم قال تعالى: { وَإِن تَلْوُواْ } [النساء: 135]؛ أي: وإن تتلوا أمرها، { أَوْ تُعْرِضُواْ } [النساء: 135] عن الله وطلبه، { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ } [النساء: 135] في الأزل، { بِمَا تَعْمَلُونَ } [النساء: 135] اليوم، { خَبِيراً } [النساء: 135]، وإنه أعطاكم استعداد هذه الأعمال، وإنه بما تعملون اليوم يجازيكم غداً، واليوم بالخير خيراً وبالشر شراً، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3