الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً } * { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }

ثم أخبر عن معنى آخر من معنى الحذر؛ وهو المداومة على الذكر بقوله تعالى: { فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } [النساء: 103]، إلى قوله:عَلِيماً حَكِيماً } [النساء: 111]، والإشارة فيها: إن الله تعالى يأمر من لم تكن صلاته دائمة، { فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ } [النساء: 103] المكتوبة المفروضة المعدودة فلا تحسبوا أنها تكفيكم في إقامة العبودية، أو تصلون بمجردها إلى حضرة الربوبية، ولكن { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } [النساء: 103] في جميع حالاتكم ولا تخلوا حالاتكم من [الوصف]، إما تكونوا قياماً أو قعوداً أو على جنوبكم { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } [النساء: 103] حتى يطمئن قلبكم بذكر الله، { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } [النساء: 103]؛ أي: فأديموها؛ يعني: فإذا اطمأن القلب بذكر الله فقد أقام القلب الصلاة، { إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً } [النساء: 103] أي: مكتوباً أزلياً، { مَّوْقُوتاً } [النساء: 103] أي: مؤقتاً إلى الأبد.

فاعلم أن لله تعالى عباداً قد منحهم ديمومة الصلاة فهم في صلاتهم دائمون من الأزل إلى الأبد، وليس هذا من مدرك عقول الخيال فلا يعقلها إلا العالمون، وقد أشار إلى هذا المعنى بقوله تعالى:إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً } [الفتح: 1] منا بنا عليك،مُّبِيناً } [الفتح: 1]؛ أي: بينا لكلِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ } [الفتح: 2] بما فتح منه عليك،مَا تَقَدَّمَ } [الفتح: 2] في الأزل،مِن ذَنبِكَ } [الفتح: 2]؛ بأن لم تكن مصلياً،وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2] إلى الأبد من ذنبك بأن لا يكون مصلياً،وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } [الفتح: 2]؛ يعني: نعمة المغفرة، وإتمامها أن يجعل بها سيئاتك وهي عدم صلاتك في الأزل والأبد مبدلة بالحسنات وهي الصلاة المقبولة من الأزل إلى الأبدوَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [الفتح: 2] من الأزل إلى الأبد، ومن الأبد إلى الأزل،وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ } [الفتح: 3] بالظفر على هذا الأكبر الأعظم،نَصْراً عَزِيز } [الفتح: 3]، لا يعز به غيرك ولا يتنسم روائحه إلا بمسام متابعتك، فهمها من فهمها، وجهلها من جهلها، ثم قال تعالى: { وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ } [النساء: 104] أي: في طلب النفس وصفاتها والجهاد معها، { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ } [النساء: 104] في الجهاد معها، ويتعبون بالرياضيات والمجاهدات، وملازمة الطاعات والعبادات، ومداومة الذكر ومراقبة القلب في طلب الحق، والوصول إلى المقامات العلية، { فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ } [النساء: 104]؛ يعني: النفس والبدن في طلب الشهوات الدنيوية، واللذات الحيوانية والمرادات الجسمانية، ويأملون ويتعبون في طلبها، { كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ } [النساء: 104]، العواطف والعوارف الأبدية، { مَا لاَ يَرْجُونَ } [النساء: 104]، النفوس الردية من هممها الدنية التي لا تجاوز قصورها من المقاصد الدنيوية، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } [النساء: 104]، في الأزل باستعداد كل طائفة من أصناف الخلق، { حَكِيماً } [النساء: 104]، فيما حكم لكل واحد منهم من المقاصد والمشارب،قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ }

السابقالتالي
2