الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } * { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

وبقوله: { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } [الزمر: 8]، يشير إلى أن من طبيعة الإنسان أنه إذا مسته ضر خشع وخضع، وإلى ربه فزع، وتملق بين يديه وتضرع، { ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ } [الزمر: 8] وأزال عنه ضره، وكفى أمره، وأصلح باله وأحسن حاله، { نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ } [الزمر: 8]، فيعود إلى رأس كفرانه، وينهمك في كبائر عصيانه، وأشرك بمعبوده، وأمر على جحوده، { وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ } [الزمر: 8] وينقطع في طريقه، فإن للإنسان الذي هو طبيعة { تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً } [الزمر: 8]؛ أي: بقليل عمرك من قليل دنياك، { إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } [الزمر: 8]؛ لأنك صاحبت أهل النار، وسلكت على أقدام مخالفات المولى، ومرافقات الهوى، وطريق الدركات السفلى.

ثم أخبر عن أهل النجاة وأرباب الدرجات بقوله تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً } [الزمر: 9]، يشير إلى القيام بآداب العبودية ظاهراً وباطناً من غير فتور ولا تقصير، { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } [الزمر: 9] ونعيمها كما يحذر الدنيا وزينتها، { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } [الزمر: 9] لا نعمة ربه، { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ } [الزمر: 9] قدر جوار الله وقربته وتجارة على الجنة ونعيمها، { وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [الزمر: 9] قدره، { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ } [الزمر: 9] حقيقة هذا المعنى { أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [الزمر: 9]؛ وهم الذين انسلخوا من جلد وجودهم بالكلية، وقد ماتوا عن أنانيتهم وعاشوا بهويته.

وبقوله: { قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } [الزمر: 10]، يشير إلى أن من شرط أخص خواص عبادي الذين خلصوا من عبودية غيري من الدنيا والآخرة، وآمنوا بإيمان الطلب شوقاً ومحبة أن يتقوا بي عما سواي، ثم قال: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } [الزمر: 10] في طلبي، { فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا } [الزمر: 10] لا يطلبون مني غيري { حَسَنَةٌ } [الزمر: 10]، أي: لهم حسنة وجداني؛ يعني: حسن الوجدان مودع في حسن الطلب، وبقوله: { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } [الزمر: 10]، يشير إلى حضرة جلاله إنه لا نهاية فلا يغتر طالب بما فتح عليه من أبواب المشاهدات والمكاشفات، فيظن أنه قد بلغ المقصد الأعلى والمحل الأقصى، فإنه لا نهاية لمقامات القرب، ولا غاية لمراتب الوصول، { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ } [الزمر: 10] على صدق الطلب، { أَجْرَهُمْ } [الزمر: 10] من نيل المطلوب { بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10] إلى أبد الآباد.