ثم أخبر عن نفخ الصور وإشراق النور بقوله تعالى: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [الزمر: 68]، يشير إلى نفخ نفخات ألطاف الحق في صور الأرواح { فَصَعِقَ } [الزمر: 68]،؛ أي: فتغير عن وصفه في سماوات القلوب من الصفات الإنسانية إلى الصفات الربانية، ومن في الأرض البشرية من الصفات النفسانية إلى الصفات الروحانية { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [الزمر: 68] في بعض الصفات أن لا يغيرها، { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ } [الزمر: 68]؛ أي: قائمون بالله { يَنظُرُونَ } [الزمر: 68] بنور الله. { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ } [الزمر: 69] أرض الوجوه، { بِنُورِ رَبِّهَا } [الزمر: 69] إذا تجلى لها، وبقوله: { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [الزمر: 69]، يشير إلى أن النبيين والشهداء إذا دُعوا للقضاء والحكومة والمحاسبة، فكيف يكون حال الأمم وأهل المعاصي والذنوب؟ { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } [الزمر: 70] من الخير والشر، والطاعة والمعصية، { وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } [الزمر: 70]؛ أي: والله أعلم منهم بأنفسهم بما يفعلون؛ إذ هو يخلق أفعالهم فيهم، وهو يعلم أيها خلق للخير والشر، { وَسِيقَ } [الزمر: 71] الذكر، { ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ } [الزمر: 71] بداعية الكفر على أقدام أفعالهم، { إِلَىٰ جَهَنَّمَ } [الزمر: 71] البعد والفراق، { زُمَراً } [الزمر: 71] فرقة فرقة على أقدام أفعال آخر، { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [الزمر: 71] السبعة التي من الأوصاف الذميمة النفسانية؛ وهي: الكبر والبخل، والحرص والشهوة، والحسد والغضب والحقد، فإنها أبواب جهنم، وكل من يدخل فيها لا بد له من أن يدخل من باب من أبوابها. وبقوله: { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [الزمر: 71]، يشير إلى أن الحكمة الإلهية اقتضت إظهاراً لصفة القهر أن يخلق ناراً ويخلق لها أهلاً، كما أنه تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلاً إظهاراً لصفة اللطف، فلهذه الحكمة { قِيلَ } [الزمر: 72] في الأزل قهراً وقسراً { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } [الزمر: 72]، وهي الصفات الذميمة كما مر شرحها { خَالِدِينَ فِيهَا } [الزمر: 72]، بحيث لا يمكنه الخروج عن هذه الصفات بتبديلها، كما يخرج المتقون منا { فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبِّرِينَ } [الزمر: 72]، به يشير إلى أن العصاة صنفان: صنف منهم: متكبرون وهم المصرون متابعو إبليس فلهم الخلود في النار. وصنف منهم: متواضعون وهم التائبون متابعو آدم فلهم النجاة، وبهذا الدليل يثبت أنه ليس ذنب أكبر بعد الشرك من الكبر؛ بل الشرك أيضا يتولد من الكبر، كما قال تعالى:{ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } [البقرة: 34]، وهذا تحقيق قوله تعالى: " الكبرياء دوائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهم ألقيته في النار " ؛ ولهذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر ".