الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ } * { لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ }

ثم أخبر أن عباد الله قد اجتنبوا طاغوت الهوى بقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } [الزمر: 17]، يشير إلى أن طاغوت كل أحد نفسه، وإنما يجتنب عبادة الطاغوت من خالف هوى نفسه، وعانق رضاء مولاه، ورجع إليه بالخروج عما سواه رجوعاً بالكلية، وبقوله: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ * ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [الزمر: 17-18]، يشير إلى معانٍ كثيرة:

منها: إن أهل البشارة من يكون مخصوصاً بخاصية العبدية التي هي فصاحة إلى الله؛ أي: يكون جسداً عما سوى الله.

ومنها: إنهم مبشرون بالوصول والوصال، كما قال تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ } [الزمر: 18] إلى الحضرة.

ومنها: إن الألف واللام في القول المعموم، فيقتضي أن لهم حسن الاستماع في كل قول من القرآن وغيره، ولهم أن يتبعوا أحسن من يحتمل كل قول إتباع درايته والعمل به، وأحسن كل قول ما كان من الله أو لله، أو يهدي إلى الله، وعلى هذا يكون استماع أتباع قول القوال من هذا القبيل.

ومنها: إن القول يسمع الإنسان والشيطان والنفس والملك والإله عز وجل، فيسمع من الإنسان أن الحق والباطل، ومن الشيطان الباطل، فإنه يشير إلى المعاصي دعوة الشهوات مما لها فيه نصيب، ومن الملك دعوة الطاعات، ومن الحق تعالى الخطاب في حقائق التوحيد والدعوة إلى الحضرة، كما قال تعالى:ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [الفجر: 28]، وقال:وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [المزمل: 8]، فأحسن الأقوال قول الله، وأحسن الاستماع أن يستمعوا من الله، ومن عرف الله لا يسمع إلا بالله ومن الله، ومن أحسن أن يسمع من الله أحسن أن يسمع عباد الله، { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَاهُمُ ٱللَّهُ } [الزمر: 18] بجذبات ألطافه إلى أعطافه { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمْ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [الزمر: 18] الذين عبروا عن قشرية الأشياء ووصلوا إلى ألباب حقائقها.

وبقوله: { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ } [الزمر: 19]، يشير إلى أن من حق عليه في القسمة الأولى أن يكون مظهراً لصفات قهره إلى الأبد لا ينفعه شفاعة الشافعين، ولا يخرجه من جهنم سخط الله وطرده، وبعده جميع الأنبياء والمرسلين، { لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ } [الزمر: 20] اليوم من الشرك والمعاصي، والزلات والشهوات، وعبادة الهوى والركون إلى غير المولى، فقد أنقذهم الله في القسمة الأولى من أن يحق عليهم كلمة العذاب، وحق عليهم أن يكونوا مظهر صفات لطفه إلى الأبد، { لَهُمْ غُرَفٌ } [الزمر: 20] بحسب مقاماتهم في التقوى، { مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ } [الزمر: 20]؛ أي: ما لا نهاية له من غرفات المعارف، والقربات مبينة بأيدي أعمال السالكين وأحوال المجذوبين بعضها فوق بعض { مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [الزمر: 20] أنهار الحكم والأسرار، { وَعْدَ ٱللَّهِ } [الزمر: 20] الذي وعد التائبين بالمغفرة، والمطيعين بالجنة، والمشتاقين بالرؤية، والعاشق الصادق بالقربة والوصلة، { لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ } [الزمر: 20] إذا لم يقع لهم فترة، ولا محالة بصدق وعده.