الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } * { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } * { قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } * { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } * { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } * { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ }

وبقوله: { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص: 75]، يشير إلى استحقاق آدم لمسجوديه الملائكة باختصاصه في الخلقة بيديه من سائر المخلوقات، ويشير بيديه إلى صفتي اللطف والقهر، وهما يشتملان على جميع الصفات، وما من صفة إلا وهي إما من قبيل اللطف، وإما من قبيل القهر، وما من مخلوق من جميع المخلوقات إلا هو إما مظهر صفة اللطف، وإما مظهر صفة القهر، كما أن الملك مظهر صفة لطف الحق تعالى، والشيطان مظهر صفة قهر الحق تعالى إلا الآدمي، فإنه خلق مظهر كلتي صفتي اللطف والقهر، والعالم بما فيه بعضه مرآة صفات لطفه تعالى وبعضه مرآة صفة قهره، والآدمي مرآة ذاته وصفاته تعالى وتقدس كما قال:سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [فصلت: 53]، وبقوله: { أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ * قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ص: 75-78]، يشير إلى عزة آدم وكرامته بأن يكون مستحقاً لسجود الملائكة ولم يكن لأحد منهم أن يستكبر من سجوده، وإن استكبر ويدعي الخيرية عليه يلعنه الله، ويخرجه عما يكون فيه من المقام والمنزلة، وحسن الصورة والطرد وإن استكبر عن الحضرة.

وبقوله قال: { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } [ص: 79-81]، يشير إلى أن من أبعده الحق وأطرده، وقلب عليه أحواله حتى تجر إلى نفسه أسباب الشقاوة، كما دعا ربه وسأله الأنظار من كمال شقاوته؛ ليزداد إلى يوم القيامة في سبب عقوبته فأنظره الله وأجابه إذا سأله بربوبيته؛ ليعلم أنه كل من سأله باسمه الرب فإنه يجيب كما أجاب إبليس، وكما أجاب آدم عليه السلام إذا قال:رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [الأعراف: 23]، وأجابه وتاب عليه، وهدى إبليس لتمام شقاوته.