الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } * { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } * { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } * { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } * { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } * { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } * { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } * { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ }

{ صۤ } [ص: 1]، بقوله: { صۤ } يشير إلى: القسم بصاد الصمدية في الأزل، وبصاد صانعيته في الأواسط، وبصاد صبوريته في الأبد، وبصاد صدق الذي جاء بالصدق، وبصاد صديقيته الذي صدق به، وبصاد صفاء صفوته في مودته ومحبته، وبقوله: { وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ص: 1]، يشير إلى: القسم بالقرآن الذي هو مخصوص بالذكر؛ وذلك لأن القرآن قانون معالجات القلوب المريضة، وأعظم مرض القلب نسيان الله تعالى، كما قال تعالى:نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [التوبة: 67]، وأعظم علاج مرض النسيان ذكر الله، كما قال تعالى:فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [البقرة: 152]؛ ولأن العلاج بأضدادها.

وبقوله: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } [ص: 2]، يشير إلى: انحراف مزاج قلوب الكفار لمرض نسيان الله تعالى من اللين والسلامة إلى الغلظة والقساوة، ومن التواضع إلى التكبر، ومن الوفاق إلى الخلاف، ومن الوصلة إلى الفرقة، ومن المحبة إلى العداوة، ومن مطالعة الآيات إلى الإعراض عن البحث للأدلة والسير للشواهد.

{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ } [ص: 3] عند هجوم البلاء، { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } [ص: 3] إذ فات وقت الإشكاء، { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ } [ص: 4] ولم يعجبوا أن يكون المنحوتات آلهة، وهذه مناقضة ظاهرة، فلما تحيروا في شأن أنبيائهم رموهم بالسحر، { وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } [ص: 4]، والإشارة في هذا أنهم لما كان منحرف مزاج القلوب بمرض نسيان الحق، جاءت النبوة على مذاق عقولهم المتغيرة سحراً، والصديق كذاباً، ومن حول نظرهم رأوا الإله الواحد آلهة، وقالوا: { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } [ص: 5] ولم يعلموا أنهم جعلوا الإله الواحد آلهة، { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ص: 5]، لم تباشر خلاصة التوحيد قلبهم، وتعدوا عن ذلك تجويزاً، فضلاً عن أن يكون إثباتاً وحكماً، فلا عرفوا الله ولا معنى الإلهية، فإن الإلهية؛ هي القدرة على الاختراع، وتقدير قادرين على الاختراع غير صحيح لما يجب من وجوده المانع بينهما وجوازه، وذلك يمنع من كمالهما، ولو لم يكونا كمالي الوصف لم يكونا إلهين، وكل أمر جر تنويه بسقوطه مطوع باطل بقوله: { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ } [ص: 6]، يشير إلى: إن الكفار إذا تواصلوا فيما بينهم بالصبر على آلهتهم، فالمؤمنون أولى بالصبر على عبادة معبودهم، والاستقامة في دينهم، بل الطالب الصادق، والعاشق الوامق أولى بالصبر والثبات على قدم الصدق في طلب المعبود المحبوب المعشوق، { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } [ص: 6] في الأزل في المقبول والمردود.

وبقوله: { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } [ص: 7]، يشير إلى أن ركون الجهال إلى البشرية والعادة وما وجدوا عليه أسلافهم من الضلالة، واستناموا إلى التقليد والهوادة، وبقوله: { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي } [ص: 8]، يشير إلى أن القرآن قديم؛ لأنه سماه الذكر، ثم أضافه إلى نفسه تعالى بقوله: { مِّن ذِكْرِي } [ص: 8]، ولا خفاء بأن ذكره قديم؛ لأن الذكر المحدث يكون مسبوقاً بالنسيان، وهو منزه عن النسيان، وبقوله: { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } [ص: 8]، فيشير إلى أنهم مستغرقون في عذاب الطرد والبعد ونار القطيعة، ولكنهم عن ذوق العذاب بمعزل؛ لغلبة الحواس إلى أن يكون

السابقالتالي
2