الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } * { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }

{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ } [ص: 30]؛ أي: لداود الروح { سُلَيْمَانَ } [ص: 30] القلب، { نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 30]، رجع إلى الحضرة بإخلاص العبودية بلا علة الدنيوية والأخروية.

{ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } [ص: 31]؛ وهي مراكب صفات البشرية، وبقوله: { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ص: 32]، يشير إلى أن حب غير الله شاغل عن الله وموجب للحجاب.

وبقوله: { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } [ص: 33]، يشير إلى أن كل محبوب سوى الله إذا حجبك عن الله لحظة يلزمك أن تعالجه بسيف نفي لا إله إلا الله، وبقوله: { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } [ص: 34]، يشير إلى إلقاء وسوسة شيء من الشهوات الجسدانية على كرسي صدر سليمان القلب، فافتتن به إلى أن تاب منه، ورجع إلى الحضرة.

ثم أخبر عن الإجابة بعد الإنابة بقوله تعالى: { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ } [ص: 35]، يشير إلي معانٍ مختلفة:

منها: إنه أراد طلب المُلك الذي هو رفعة الدرجة، بني الأمر في ذلك على التواضع الموجب للرفقة؛ وهو قوله: { رَبِّ ٱغْفِرْ لِي } [ص: 35].

ومنها: إنه قدم طلب المغفرة؛ لأنه لو كان طلب المُلك ذلة عن حق الأنبياء - عليهم السلام - تكون مسبوقة بالمغفرة لا يطالب بها.

ومنها: إن المُلك مهما يكن في يد مغفور له منظور بنظر العناية ما يصدر منه تصرف في الملك إلا مقروناً بالعدل والنصفة، وهو محفوظ من آفات الملك وتبعاته.

ومنها: قوله: { وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ } [ص: 35]؛ أي: يكون ذلك موهوباً له، بحيث لا ينزعه منه ويؤتيه من يشاء، كما هي السنة الإلهية جارية فيه.

ومنها: قوله: { لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ } [ص: 35]؛ أي: لا يطلبه أحد غيري؛ لئلا يقع في فتنة الملك على مقتضى قوله تعالى:إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6-7]، فإن المُلك جالب للفتنة، كما كان جالباً إلى سليمان عليه السلام بقوله: { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } [ص: 34]؛ ولئلا يكون هو سبب افتتانهم.

ومنها: قوله: { مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ } [ص: 35]؛ أي مُلكاً لا يطلع على حقيقته وكماليته أحد حتى يطلبه منك؛ يعني: يكون في جملة " ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر " ليطلبه.

ومنها: قوله: { لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ } [ص: 35]؛ أي: لا يكون هذا الملك ملتمس أحد منك غير للتمتع والانتفاع به، وهو بمعزل عن قصدي ونيِّتي عن طلب هذا، فإن لي في هذا المُلك نية لنفسي، ونية لقلبي، ونية لروحي، ونية للرعايا، ونية للملك.

السابقالتالي
2 3