الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ } * { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ }

وبقوله: { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ص: 24]، يشير إلى أن النفوس جبلت على الظلم والبغي وسائر الصفات الذميمة ولو كانت نفوس الأنبياء عليهم السلام، ثم استثني منهم أهل الإيمان والعمل الصالح بقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ص: 24]؛ يعني: الذين آمنوا وعملوا أعمالاً صالحة لتزكية النفس عن صفاتها الذميمة، ثم قال تعالى: { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } [ص: 24]؛ يعني: وقليل من أهل الإيمان أن يكون أعمالهم صالحة لتزكية النفس، وهم الأنبياء والأولياء، وفيه إشارة أخرى وهي: إن من شأن النبي والولي أن يحكم كل واحد منهم بين الخصوم بالحق، كما ورد الشرع به بتوفيق الله، وإن الواجب عليهم أن يحكموا على أنفسهم بالحق كما يحكمون على غيرهم، كما قال تعالى:كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ } [النساء: 135]، فلما انتبه داود عليه السلام أنه ما حكم على نفسه بالحق كما حكم على غيره كما أخبر الله تعالى بقوله: { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } [ص: 24]؛ أي: أناب واستغفر ورجع إلى ربه متضرعاً خاشعاً، باكياً بقية العمر، معتذراً عما جرى عليه، فتقبل الله منه ورحم عليه وعفا عنه.

وقال: { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ } [ص: 25]؛ أي: لقربة بكل تفرع وخضوع وخشوع، وبكاء وأنين وحنين، وتأوّه صدر منه { وَ } [ص: 25] له بهذه المراجعات، { حُسْنَ مَـآبٍ } [ص: 25] عندنا، وفيه إشارة أخرى وهي أن نعلم أن المعصوم عن عصمة الله عز وجل، ومن يهدي الله فهو المهتدي ومن يضللهفَلاَ هَادِيَ لَهُ } [الأعراف: 186].

ثم أخبر عن الهدى أنه مخالفة الهوى بقوله: { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ } [ص: 26]، يشير إلى معان مختلفة:

منها: إن الخلافة الحقيقة ليست بمكتسبة للإنسان؛ إنما هي عطاء وفضل من اللهفَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [الحديد: 21]، كما قال تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً } [ص: 26]؛ أي: أعطيناك الخلافة.

ومنها: إن استعداد الخلافة مخصوص بالإنسان، كما قال:وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } [الأنعام: 165].

ومنها: إن الإنسان وإن خلق مستعداً للخلافة، ولكن بالقوة فلا يبلغ درجتها بالكمال إلا الشذاذ منهم.

ومنها: إن [خلافته] تتعلق بعالم المعنى، كما أن الخلقية تتعلق بعالم الصورة، ولهذا إنما أخبر الله تعالى عن صورة آدم عليه السلام قال:إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } [ص: 71]، ولما أخبر عن معناه قال:إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30]، وقال:ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ } [الأنعام: 1]، قال:ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } [فاطر: 1].

ومنها: إن الروح الإنساني من الفيض الأول، وهو أول شيء تعلق بأمر " كن " ، ولهذا نسبه إلى أمره، فقال تعالى:

السابقالتالي
2