الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ } * { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } * { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } * { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ } * { وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } * { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } * { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } * { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } * { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } * { فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

ثم أخبر عن نجاة لوط ودرجاته بقوله: { وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الصافات: 133]، يشير إلى لوط الروح أنه مهبط أنوار الحق ومحط أسراره؛ { إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } [الصافات: 134]، من القلب والسر وصفاتهما { أَجْمَعِينَ } [الصافات: 134] من سطوات قهرنا، { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } [الصافات: 135]، وهي عجوز النفس الأمَّارة؛ فإنها بمثابة الزوجة للوط الروح، { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } [الصافات: 136] من النفس وصفاتها، { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ } [الصافات: 137] أيتها الصفات الإنسانية عليهم مصبحين في صباح يوم الدين، يشاهدون آثار سطوات قهرنا باستيلاء صفات النفس وغلبات دواعي الشهوات، { وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الصافات: 138] فتعتبرون وتؤمنون بوحدانية الحق تعالى، وترجعون إلى أبواب فضله وكرمه ورحمته.

{ وَإِنَّ يُونُسَ } أي: يؤنس القلب { لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الصافات: 139]، وهو أيضاً مهبط أنوار الحق تعالى؛ { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [الصافات: 140]؛ أي: فلك الهوى المشحون من شهوات النفس، { فَسَاهَمَ } مع أهل الهوى؛ { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } [الصافات: 141]؛ أي: من المغلوبين المفتونين بشهوات النفس فألقى في بحر الدنيا، { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ } [الصافات: 142] حوت النفس، { وَهُوَ مُلِيمٌ } [الصافات: 142] بالتفاته إلى بحر الدنيا وركوبه فلك الهوى إذ أبق من عبودية المولى، { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } [الصافات: 143] المطيعين الذاكرين لله، الراجعين إليه بالتوبة والاستغفار { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ } [الصافات: 144]؛ يعني: القلب في بطن حوت النفس { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [الصافات: 144] والإشارة فيه أن خلاص يونس القلب إذا التقمه حوت النفس لا يكون إلا بملازمة ذكر الله، { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } [الصافات: 145]، يشير بهذا إلى أن القلب إن تخلص من بحر النفس وبحر الدنيا يكون مستقيماً؛ بانحراف مزاجه القلبي بمجاورة صحبة النفس وإسراف طبعها، بقوله: { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } [الصافات: 146]، يشير إلى إنبات شجرة العناية عليه؛ ليستظل بظلها إلى أن يزول عنه ضعف البشرية، ويتقي بالسلامة القلبية، ويستعد لتواتر الإلهامات الربانية، ويستحق بالخلافة للسلطنة الروحانية، فينصب لرعاية الرعية.

فذلك قوله: { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات: 147] به يشير إلى أن كل قلب تخلص من سجن النفس يصير سلطاناً على ولاية الإنسانية، يحكم على مائة ألف صفة من صفات البشرية أو يزيدون، { فَآمَنُواْ } هذه الصفات كلها بما يأتيهم من الحق، واقتدوا به وتخلقوا بأخلاقه؛ { فَمَتَّعْنَاهُمْ } يعني: بالقلب وأخلاقه { إِلَىٰ حِينٍ } [الصافات: 148] يستعدون للتخلق بأخلاق الله تعالى.