{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } [الصافات: 102]؛ أي: بلغ سعي القلب مع الروح إلى الحضرة. { قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } [الصافات: 102]، يشير به إلى أن من شرائط السائرين إلى الله قطع الأبوة والبنوة الحيوانية، ومن شرائط السائرين بالله التسليم والتفويض بالكلية في الأمور إلى الله، والخروج عن مستحسنات الطبع ومن مستحسنات العقل إلى مشيئة الله تعالى وما اختاره له، وهذا حقيقة قوله تعالى { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [الصافات: 102]. ومن شرائط السائرين في الله فداء النفس وبذل الروح في طلب الحق تعالى، وبه يشير إلى قوله تعالى: { فَلَمَّا أَسْلَمَا } [الصافات: 103]، وقد أسلم إبراهيم نفسه، وقد فداها حين وضع في المنجنيق، وقد أسلم إسماعيل وبذل روحه حين تله للجبين، ومن دقة النظر في رعاية آداب العبودية، وحفظ حقوق الربوبية في العصمة إلى إسماعيل عليه السلام: أمر أباه بأن يشد يديه ورجليه؛ لئلا يضطرب إذا مسه ألم الذبح فيعاتب، ثم لما هم يذبحه: افتح القيد عني فإني أخشى أن أعاتب، فيقال لي: أمشدود اليدين جئتني؟ وإني لا أتحرك ستشعر.
ولو بيد الحبيب سقيت سماً
لكان السم من يديه تطيب
{ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [الصافات: 107] إنما سمي الذبح عظيماً؛ لأنهما نبيين عظيمين أحدهما أعظم من الآخر، وهما إسماعيل ومحمد - عليهما الصلاة - لأنه كان محمد في صلب إسماعيل عليهما الصلاة والسلام. { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } [الصافات: 108]؛ أي: في أمة من الآخرين إلى قيام الساعة؛ أي: من الأمم الآخرين، { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الصافات: 109]؛ أي: سلام مما أسلم إبراهيم وسلم من النار وذبح الولد، { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [الصافات: 110] الذين أحسنوا عبوديتنا، وأسلموا أوامر ربوبيتنا،{ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الصافات: 81] المخلصين، لا من عبادنا للدنيا والهوى. { وَبَشَّرْنَاهُ } [الصافات: 111]؛ يعني: إبراهيم { بِإِسْحَاقَ } [الصافات: 111] القلب { نَبِيّاً } [الصافات: 111] ملهماً من الحق تعالى، كما قال بعضهم: حدثني قلبي عن ربي، { مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [الصافات: 111]؛ أي: المستعدين لقبول الفيض الإلهي بلا واسطة.