الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ } * { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } * { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } * { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ }

{ وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ } [يس: 67]؛ أي: نحول صفاتهم الإنسانية بصفات السبعية والشيطانية، { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ } [يس: 67]، لا يقدرون على إزالة هذه الصفات، ولا يقدرون على رجوعهم إلى صفاتهم الإنسانية، فمن مَسَخه الله في الدنيا بالصفات حشره الله تعالى في صورة صفته الممسوخة بها، كم جاء في الحديث الصحيح: " إن آذر يحشر على صورة ضبع ".

وقوله: { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } [يس: 68]، يشير إلى أن الإنسان كما لو عَمَّر يرده الله إذا استوى شبابه وقوته إلى العكس، حتى يأخذ في النقصان من الزيادة كما كان يزداد في القوة إلى أن يبلغ أرذل العمر في السن، فيصير إلى حال مثل حال الطفولة في الضعف، ثم لا يبقى على النقصان شيء، فكذلك لو عَمَّر السالك لطريق الحق تعالى إلى ألاَّ يبقى منه ما يسند الفعل في السير عن وجوده بعد السير في وجوده إلى أقصى مراتب الروحانية، ثم تفنى روحانيته في ربوبية الحق تعالى إلى ألاَّ يبقى منه ما يسند الفعل إليه، كما قال تعالى: " فبي يسمع وبي ينطق وبي يبطش وبي يمشي ".

وبقوله: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } [يس: 69]، يشير إلى أن كل أقوال وأعمال وأحوال تجري على العباد في الظاهر والباطن كلها تجري بتعليم الحق تعالى الحرف والصنائع، وذلك سر قوله تعالى:وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } [البقرة: 31]، وتعليمه الصنائع لعباده على ضربين بواسطة وبغير واسطة، أما بالواسطة فتعليم بعضهم بعضاً، وأما بغير الواسطة فكما علم داود عليه السلام صنعة لبوس، وكل حرفة وصنعة يعمل الإنسان من قريحته بغير تعليم أحد، فهو من هذا القبيل وقوله: { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } [يس: 69]، إشارة إلى أنه تعالى ما علمه الشعر ولكن علمه الذكر والقرآن، كما قال:ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [الرحمن: 1-2]، وقوله: { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [يس: 70]، يشير إلى أن كل قلب يكون جوفه بنور الله وبروح منه بقيده الأقدار ويتأثر بها، وأمارة تأثيره: الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة والمولى، ووجب القول الأزلي على الكافرين بموت قلوبهم وقساوتها فلا يتأثر بالإنذار.

ثم أخبر عن قدرته ومنَّ علينا بنعمته وبقوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً } [يس: 71]، يشير إلى أنه تعالى خلق للإنسان جميع ما خلق بالوسائط وغير الوسائط، ومما خلق بغير الوسائط خلق لهم أنعاماً، ذَكَر عظيم منته عليهم وجميل نعمته لديهم بما خلق لهم المخلوقات، وبما سخر لهم من الأنعام التي ينتفعون بها بوجوه من الانتفاع فهم لها مالكون؛ لينتفعوا بركوبها وأكل لحومها وشحومها وبشرب ألبانها، وما يحمل عليها بالتقرب بها في قطع المسافة البعيدة إلى الزيارات والمواضع الشريفة والمزارات المتبركة، ثم بأصوافها وأدبارها وشعورها.