الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } * { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ }

وبقوله: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [يس: 60-61]، يشير إلى كمال رأفته وغاية مكرمته في حق بني آدم؛ إذ يعاتبهم معاتبة الحبيب للحبيب، ومناصحة الصديق للصديق، وأنه تعالى يكرمهم ويبجلهم من أن يعبدوا الشيطان؛ لكمال رتبتهم واختصاص قربتهم للحضرة، وغاية ذلة الشيطان وطرده ولعنه عن الحضرة وسماه عدواً لهم وله سمي بني آدم أولياء والأحباب، وخاطب المجرمين منهم كالمقتدي الناصح لهم: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ } [يس: 60]؟ ألم أنصحكم؟ ألم أخبركم عن خيانة الشيطان وعداوته لكم؟ وإنكم أعز من أن تعبدوا مثله ملعوناً مهيناً { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي } إذ إن مثلكم يستحق لعبادة مثلي فإني أنا العزيز الغفور، وإني خلقتكم لنفسي وخلقت المخلوقات لأجلكم وعززتكم، وكم وصلت إليكم القول وذكرتكم فلم تقبلوا نصحي، ولم تتعظوا بوعظي، ولم تعملوا بأمري وعملتم بأمر الشيطان وقبلتم إغواءه إياكم.

{ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً } [يس: 62]، عن صراط مستقيم عبوديتي، وأبعدكم عن جواري وقربتي، { أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } [يس: 62]؛ لتعلموا أن الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، فلا تظلموا على أنفسكم وارجعوا إلى ربكم قبل أن يقول لكم خزنة جهنم: { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } [يس: 63-64]؛ أي: استعدوا لجهنم الفراق إن كفرتم بنعمة الوصال، وذوقوا عذاب شديد الكفران إذ رضيتم عن الوصلة بالهجران.

ثم أخبر عن اعتراف الأركان وختم اللسان بقوله تعالى: { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [يس: 65]، فيشير إلى أن الغالب على الأفواه الكذب، كما قال تعالى:يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [آل عمران: 167]، والغالب على الأعضاء الصدق، ويوم القيامة يسأل الصادقون عن صدقهم، فلا يسأل الأفواه فإنها كثيرة الكذب، ويسأل الأعضاء فإنها كثيرة الصدق، تشهد بالحق، أما الكفار فشهادة أعضائهم عليهم مبيدة لهم، وأما العصاة من المؤمنين الموحدين فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان، ولكن تشهد لهم بعض أعضائهم أيضاً لهم بالإحسان، فكما قيل: بيني وبينك يا ظلوم الموقف والحاكم العدل الجواد المثقف، وفي بعض الأخبار المروية المسندة: أن عبداً يشهد عليه أعضاؤه بالزلة فتتطاير شعرة جفن عين عبدي واحتجي عن عبدي، فتشهد له بالبكاء من خوفه فيغفر له، وينادي منادٍ هذا عتيق الله بشعرة.

وبقوله: { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } [يس: 66]، فيشير إلى طمس عين الظاهر بحيث لا يكون لها سبق، فكيف تبكي حتى تشهد بالبكاء على صاحبها؟! ويشير أيضاً إلى طمس عين الباطن، فإذا كانت مطموسة كيف يبصر بها الحق والباطل ليرجع من الباطل إلى الحق؟! وإذا لم يبصر بها الحق كيف يخاف من الباطل ليحرق قلبه بنار الخوف؟! فيسيل منه الدمع ليشهد له بالبكاء من الخوف.