الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } * { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } * { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

{ سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } [يس: 36] من الآباء العلوية والأمهات السفلية بازدواج الكاف والنون { مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ } [يس: 36] أرض البشرية { وَمِنْ أَنفُسِهِمْ } [يس: 36] بازدواج الروح والقالب، { وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 36] من تأثير نظر العناية في قلوب عباده المخلصين لهم منا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ } [يس: 37] ليل البشرية { نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [يس: 37] الروحانية { فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } [يس: 37] بظلمة الخلقية فإن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليه من نوره، { وَٱلشَّمْسُ } [يس: 38] أي: شمس نور الله { تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } [يس: 38] وهو قلب استقر فيه رشاش نور الله ذلك المستقر { ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } [يس: 38] الذي لا يهتدي إليه أحد إلا به { ٱلْعَلِيمِ } [يس: 38] الذي يعلم حيث يجعل رسالته.

وقوله: { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } [يس: 39] يشير إلى صفة قمر القلب فإن القلب كالقمر في استفادة النور من الشمس بالروح أولاً ثم من شمس شهود الحق تعالى وله ثمانية وعشرون منزلاً على حسب حروف القرآن، كما أن للقمر ثمانية وعشرون منزلاً فالقلب ينزل كل حين منها بمنزل وهذه أسماؤها: الألفة والبر والتوبة والثبات والجمعية والحلم والخلوص والديانة والذلة والرأفة والزلفة والسلامة والشوق والصدق والصبر والطلب والظمأ والعشق والغيرة والفتوة والقربة والكثرة والكرم واللين والمروءة والنور والولاية والهداية واليقين، فإذا صار إلى آخر منازله فقد تخلق بخلق القرآن واعتصم بحبل الله وله أوان أن يعتصم بالله، ولهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في قطع منازل العبودية:وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [الحجر: 99].

ويقال للمؤمنين في الجنة: " اقرأ وارتق " يعني: اقرأ القرآن وارتق مقامات القرب وبقوله: { حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } [يس: 39] يشير إلى سير قمر القلب في منازله فإذا ألف الحق تعالى في أول منزل ثم بر بالإيمان والعمل الصالح، ثم تاب وتوجه إلى الحضرة، ثم ثبت على ذلك التوجه جعل له الجمعية مع الله فيستنير قلبه بنور ربه حتى يصير بدراً كاملاً، ثم يتناقص بدنوه من شمس شهود الحق تعالى قليلاً قليلاً كلما ازداد بدنوه من الشمس ازداد في نفسه نقصاناً إلى أن يتلاشى ويخفى ولا يرى لها أثراً وهذا مقام الفقر الحقيقي الذي افتخر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " الفقر فخري " لأنه صلى الله عليه وسلم كلما ازداد دنوه إلى الحضرة ليلة المعراج ازداد في فقره من الوجود.

كما أخبر الله تعالى عنه بقوله:ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 8-9] ذكر هاهنا فقرة إلى الوجود فوجده الله عائلاً عن وجوده فأغناه بجوده وبقوله: { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } [يس: 40] يشير إلى أن القمر عند تلاشي وجوده وفقره عن الوجود وإن كانت الشمس تغنيه بجودها وتنور القمر شمساً والشمس قمراً فكذلك قمر القلب متوجه إلى شمس الحق تعالى يتنور بنورها.

السابقالتالي
2