الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } * { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

{ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ } [فاطر: 14] إن استغثتم بهم لم يعينوكم وإن دعوتموهم لم يسمعوا دعاءكم { وَلَوْ سَمِعُواْ } على جهة ضرب المثل { مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ } [فاطر: 14] لأنهم لا يملكون نفع أنفسهم فكيف يملكون نفع غيرهم، { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر: 14] ويؤمنون بحقيقة الإيمان حين لا ينفعهم الإيمان إذ صار الإيمان.

وقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ } [فاطر: 15] يشير أن الاحتياج الحقيقي إلى ذات الله وصفاته مختص بالإنسان من بين سائر المخلوقات وإن كانت المخلوقات محتاجة إلى الله بأجمعها ولكنه تعالى ما شرف شيئاً من المخلوقات بتشريف خطاب { أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } والله خلق الملائكة المقربين لأن الفقر على ثلاثة أوجه: فقر خلقة: وهو للعوام، وفقر صفة: وهو للخواص، وفقر كرم: وهو لأخص الخواص.

ففقر الخلق: عام لكل أحد ولكن حادث فقر من محدثه فالمخلوق مفتقر إلى خالقه في أول حاجة وجوده ليبديه وينشئه في الثاني من حال بقائه ليديمه ويقيمه ويحضر.

وأما فقر الصفة: فهو خاص وهو التجرد عن الدنيا وما فيها والتجرد عن الآخرة وما فيها متوجهاً إلى الله بكل وجوده فهو فقير عن صفاته المفتقرة إلى الكونين لفنائه بالله عن الكونين، وافتقاره إلى الله بدلاً عن الكونين لافتقاره إلى الكونين ولكن يمكر بهما.

وأما فقر الكرم: فهو للأخص وهو التفرد عن الوجود بالجود واجب الوجود والتوحد به فهو الفقر الحقيقي عن عينه والفناء الحقيقي بالله بعينه فكان افتقار المخلوقات إلى أفعال الله وافتقار الإنسان إلى ذات الله وصفاته كمثل سلطان يكون له رعية وهو صاحب الجمال فيكون افتقار جميع رعاياه إلى خزائنه وممالكه ويكون افتقار عشاقه إلى ذاته وصفاته فيكون غني كل مفتقر بما يفتقر إليه فغنى الرعية يكون بالمال والملك وغنى العاشق يكون بمعشوقه.

وقوله: { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } [فاطر: 15] يشير إلى أنه تعالى غني عن كل مفتقر وأنه يغني كل مفتقر بما يفتقر إليه حتى يحمده عليه وتحقيقه أنه هو الغني المغني.

وقوله: { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } [فاطر: 16] يشير إلى كمال غنائه واستغنائه عن غيره وتهديد لمدعي محبته وطلبه أي أنه لم يطلبوه حق الطلب يفنيكم ويأتي بخلق جديد في المحبة والطلب { وَمَا ذَلِكَ } [فاطر: 17] أي: إفناؤكم { عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } [فاطر: 17] متعب ولا مستصعب.

ثم أخبر عن حمال الأثقال بقوله تعالى: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [فاطر: 18] يشير إلى أن لله تعالى في كل واحد من الخلق سراً مخصوصاً وله مع كل واحد شأن آخر وكل مطالب بما حمل أن كل بذر ينبت نبات قد أودع فيه فلا يطالب بنبات بذر آخر لأنه لا يحمل إلا ما يحمل عليه { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } [فاطر: 18] من الطاعة والعصيان نوراً وظلمة، فإذا آثر واحد منهما في جوهر الإنسان واتصف الجوهر بصفة النور أو بصفة الظلمة لا ينقل تلك النطفة من جوهر إلى جوهر إنسان آخر.

السابقالتالي
2