الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ }

وبقوله: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } [فاطر: 10] يشير إلى أن الإنسان خلق ذليلاً مهيناً محتاجاً إلى كل شيء ولا يحتاج شيء إلى شيء كاحتياج الإنسان إلى الأشياء كلها واحتياج كل شيء لشيء دون شيء إلا الإنسان والذلة قدر الحاجة، فمن ازدادت حاجته ازدادت مذلته { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } لعدم احتياجه وكل شيء ذليل لاحتياجه إليه فلما كان احتياج الإنسان كاملاً مكان ذله كاملاً.

قال تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } [فاطر: 10] أي: لا تطلب العزة من غير الله؛ لأنه ذليل أيضاً لله فبقدر قطع النظر عن الأشياء وطلب العزة منه ينقص ذلة العبد ويزيد عزته إلى أنه لا يبقى له الاحتياج إلى غير الله ولا يزيل الاحتياج والافتقار إلى غير الله من القلوب إلا بنفي لا إله، وإثبات إلا الله، فبالنفي يقطع تعلقاته عن الكونين، وبالإثبات يتوجه بالكلية إلى الحق تعالى، فإذا لم يبق له تعلق ترجع حقيقة الكلمة إلى الحضرة، كما أن النار تستنزل من الفلك الأثير باصطكاك الحجر والحديد، ثم يوقد بها شجرة فالنار تأكل الشجرة وتفنيها من الحطيبة وتبقيها بالنارية إلى أن تفنى الشجرة بالكلية فلما لم يبق من وجود الحطب شيء ترجع النار إلى الأثير وهذا سر قول الله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10].

والعمل الصالح هو أركان الشريعة فأول ركن منها كمال استنزال نار نور الله من أثير الحضرة باصطكاك حديد " لا إله إلا الله " وحجر القلب القاسي فلما وقعت النار في شجرة الوجود الإنساني عمل العبد بركن من الأركان الخمسة التي بني الإسلام عليها، والأركان الأربعة الباقية هي العمل الصالح الذي يقلع أصل الشجرة من أرض الدنيا ويقطعها قطعاً تستعد به لقبولها النار واشتعالها بالنار واحتراقها بها لتقع النار إلى أن تحترق الشجرة بالكلية، وترفع بالعبور عن الشجرة إلى أثير الحضرة ولما كانت الشجرة مشتعلة بتلك النار آنس موسى عليه السلام من جانب الطور ناراًفَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } [القصص: 30] على لسان الشعلة:إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [القصص: 30] تأمله تفهم إن شاء الله تعالى.

وقوله: { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } [فاطر: 10] فيشير إلى الذين يظهرون الحسنات بالمكر ويخفون السيئات من العقائد الفاسدة؛ ليحسبوهم الخلق من العالمين الصادقين.

{ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } [فاطر: 10] وشدة عذابهم في تضعيف عذابهم، فإنهم يعذبون بالسيئات التي يخفونها ويضاعف لهم العذاب بمكرهم في إظهار الحسنات دون حقيقتها، كما قال تعالى: { وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } [فاطر: 10] أي: مكرهم يهلكهم.

وبقوله: { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } [فاطر: 11] يشير إلى أنكم أبعد شيء من المخلوقات إلى الحضرة؛ لأن التراب أسفل المخلوقات وكثيفها فإن فوقها ماء وهو الطبيعة، وفوق الماء هواء وهو ألطف من الماء وفوق الهواء الأثير وهو ألطف من الهواء، وفوق الأثير السماء وهي ألطف من الأثير ولكن لا تشبه لطافة السماء بلطافة ما تحتها من العناصر؛ لأن لطافة العناصر من لطافة الأجسام ولطافة السماء من لطافة الأجرام فالفرق بينهما أن لطافة الأجسام تقبل الخرق والالتئام ولطافة السماوات لا تقبل الخرق والالتئام إلا أن يشاء الله وفوق كل سماء ما هو ألطف منه إلى الكرسي وهو ألطف من السماوات وفوقه العرش وهو ألطف من الكرسي، وفوقه عالم الروح وهو ألطف من العرش ولكن لا تشبه لطافة الأرواح بلطافة العرش والسماوات؛ لأنها لطافة الأجرام فالفرق بينهما أن لطافة الأجرام قابلة للجهات الست، ولطافة الأرواح غير قابلة للجهات وفوقه الله

السابقالتالي
2 3