الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }

ثم يقول تعالى في تكذيبهم أهل الحق { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } [سبأ: 45] يعني من المنكرين { وَمَا بَلَغُواْ } [سبأ: 45] يعني هؤلاء المنكرين { مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ } [سبأ: 45] من الإنكار والجحود { فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [سبأ: 45] أي: اعتبروا بمن كان قبلكم من منكري المشايخ ومكذبي الرسل ما كان عاقبة إنكارهم إلا بحرمان في الدنيا عن مراتب الدين وفي الآخرة عذاب نار القطيعة { قُلْ } [سبأ: 46] يعني للمنكرين { إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } [سبأ: 46] وهي { أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ } لا بالهوى لكشف أحوال أهل الحق { مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ } أي: إذ سولت لكم أنفسكم تكذيبهم فأمعنوا النظر هل ترون فيهم آثار ما رميتموهم به من الكذب والافتراء وطبع المال والجاه { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ } [سبأ: 46] جميعاً فتعلموا { مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ } [سبأ: 46] كما ظننتم به { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ } [سبأ: 46] بلسان ينطق بالحق { بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [سبأ: 46] في الدنيا والآخرة لينجيكم عنه فالعذاب الشديد في الدنيا الجهل والنكرة والجحود والإنكار والطرد واللعن من الله وفي الآخرة هي الحسرة والندامة والخجلة عند السؤال، وفي بعض الأخبار إن غداً يسألهم الحق فيقع عليهم الخجلة يقولون عذبنا يا ربنا بما شئت من أنواع العقوبة ولا تعذبنا بهذا السؤال.

ثم أخبر عن أمر الآخرة بقوله تعالى: { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ } [سبأ: 47] يشير إلى أن من شرط دعوة الحق إلى الله أن تكون خالصة لوجه الله لا يشوبها طمع في الدنيا والآخرة، كما قال: { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } [سبأ: 47] وفي الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم قد سألهم شيئا من الأجر ثم رده إليهم بقوله: فهو لكم، وأما ما سأل منهم ما أمره الله تعالى بقوله:لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } [الشورى: 23] ثم أمره بردها إليهم بقوله: ما سألتكم عليه من أجر إلا المودة في القربى فهو رد إليكم ليكون مودتهم خالصة لله ويكون أداء رسالتي خالصاً لوجه الله { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } [سبأ: 47] يصدر مني ومنكم { شَهِيدٌ } [سبأ: 47] يجازينا بحسب نيتنا وصدق عقيدتنا.

{ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ } [سبأ: 48] على أفعال أهل الخلاف فيضمحل اجتراؤهم ويحيق بهم شؤم معاصيهم ويقذف بالحق إذا حضر أصحاب المعاني على ظلمات أصحاب الدعاوى فيحمل ما أنذرهم ويفتضحون في الحال ويفضح عوارهم، وذلك لأنه تعالى { عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } ، وإنما ذكر الغيوب بلفظ الجمع؛ لأنه عالم بغيب كل واحد، وما في ضمير كل واحد، وأنه تعالى عالم بما يكون في ضمير أولاد كل أحد إلى يوم القيامة، وإنما قال علام بلفظ المبالغة ليتناول علمه معلومات الغيوب في الحالات المختلفة كما هي بلا تغير في العلم عند تغير المعلومات من حال إلى حال بحيث لا يشغله شأن حال عن حال { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } [سبأ: 49] على مرور الأيام لا يريد الباطل إلا زهوقاً والحق لا يزداد على ممر الأيام إلا قوة وظهورا.