الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ أَرُونِيَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحْكِيمُ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ }

قوله: { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [سبأ: 25] يشير إلى كل زارع يحصد زرعه لا زرع غيره { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا } [سبأ: 26] يوم حصاد زرعنا، { ثُمَّ يَفْتَحُ } أي: يحكم { بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ } [سبأ: 26] بأن يختص كل واحد منا بحصاد زرعه { وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ } [سبأ: 26] أي: حاكم عليم فيما يحكم به { قُلْ أَرُونِيَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ } [سبأ: 27] من الدنيا والهوى والشيطانمَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } [فاطر: 40] أرض النفس شيئاً أي شيئاً من الأعمال النافعة المنجيةأَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [فاطر: 40] أي: لهم شرك مع سماوات القلوب بالواردات الروحانية والشواهد الربانية.

ثم قال: { كَلاَّ } أي: ليس شريك في الأفضال والرحمة لهم شركة في حكم من أحكامنا { بَلْ هُوَ ٱللَّهُ } [سبأ: 27] أي: هذا كله من فضل الله ورحمته { ٱلْعَزِيزُ } [سبأ: 27] الذي ليس له شريك في الإفضال والرحمة ولا مثل ولا نظير { ٱلْحْكِيمُ } [سبأ: 27] الذي أفعاله مبنية على الحكمة لا على العلة ثم أخبر عن رسالة المصطفى أنه إلى كافة الورى بقوله: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً } [سبأ: 28] يشير إلى أن إرسال ماهية وجودك التي عبرت عنها مرة بنورك وتارة بروحي من كتم العدم إلى عالم الوجود لم يكن منا إلا ليكون بشيراً ونذيراً للناس كافة من أهل الأولين والآخرين والأنبياء والمرسلين، وإن لم يخلقوا بعد لاحتياجهم بك من بدأ الوجود في هذا الشأن وغيره إلى الأبد.

كما قال صلى الله عليه وسلم: " الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم " فأما في بدأ وجودهم فالأرواح لما حصلت في عالم الأرواح بإشارة كن، تابعين لروحك احتاجت إلى أن يكون لها بشيراً ونذيراً؛ لتعلقها بالأجسام لأنها علوية بالطبع لطيفة روحانية، والأجسام سفلية بالطبع كثيفة ظلمانية لا يتعلق بها، ولا يميل إليها لفساده بينهما، فيحتاج إلى بشير يبشرها بحصول كمال لها عند الأثقال بها لترغب إليها وتحتاج إلى نذير ينذرها بأنها إن لم تتعلق بالأجسام يحرم عن كمالها، وتبقى ناقصة غير كاملة مثل حبة فيها شجرة مركوزة بالقوة، وإن تزرع وتربي بالماء تخرج الشجرة من القول إلى الفعل إلى أن تبلغ كمالها بشجرة مثمرة، فالروح بمثابة البذر، والقالب بمثابة الأرض، والشخص الإنساني بمثابة الشجرة، والتوحيد والمعرفة ثمرتها الشريفة بمثابة الماء لتربيتها والبشير والنذير بمثابة المربي، فيعد تعلق الروح بالقالب واطمئنانه إليه واتصافه بصفة يحتاج إلى بشير بحسب مقامه يبشره بنعيم الجنة وملك لا يبلى، ثم يبشره بقرب الحق تعالى ويشوقه إلى جماله ويعده بوصاله وبنذير ينذره أولاً بنار جهنم يوعده بالبعد عن الحق، ثم بالقطيعة والهجران.

السابقالتالي
2