الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } * { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } * { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } * { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

ثم أخبر عن حال الشيطان مع الإنسان بقوله: { وَلَقَدْ صَدَّقَ } [سبأ: 20] حديثاً عليهم { إِبْلِيسُ } [سبأ: 20] عليهم ظنه يشير إلى أن إبليس لم يكن متيقناً أنه يقدر على الإغواء والإضلال بل كان ظاناً بنفسه أنه يقدر على إغواء من لم يطع الله ورسوله، ولما زين لهم الكفر والمعاصي على وفق هواهم، وتابعوه بذلك صدق عليهم ظنه غير مستقل في التسلط عليهم بل بتسليط الله إياه عليهم.

كما قال تعالى: { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ } [سبأ: 21] أي: ما سلطناه عليهم إلا لنميز { مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ } [سبأ: 21] أي: نظهر ونبين من هو مؤمن ممن هو منها أي: من الآخرة { فِي شَكٍّ } [سبأ: 21] ولا يظنن ظان بالله ظن السوء إن الله جل جلاله لم يكن عالماً بأهل الكفر وأهل الإيمان، وإنما سلط عليهم إبليس ليعلم به المؤمن من الكافر، فإن الله تعالى بكمال قدرته وحكمة خلق أهل الكفر مستعداً للكفر وخلق أهل الإيمان مستعداً للإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً، وخلق النار وخلق لها أهلاً ". وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [الأعراف: 179] فالله تعالى كان عالماً بحال الفريقين قبل خلقهم، وهو الذي خلقهم على ما هم به، ولهذا قال: { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } [سبأ: 21] أي: هو الذي يحفظ كل شيء على ما هو به وقال صلى الله عليه وسلم: " بعث الشيطان مزيناً وليس إليه في الضلالة شيء وإنما سلطه على بني آدم لاستخراج جواهرهم عن معادنهم الإنسانية " كما تسلط النار على المعادن لتخليص جوهرها فإن كان الجوهر ذهباً فيخرج من الخلاص الذهب وإن كان الجوهر نُحاساً فيخرج النحاس، فلا تقدر النار أن يخرج من معدن النحاس الذهب ولا من معدن الذهب النحاس، وإنما سلط الشيطان على بني آدم؛ لأنهم معادن الذهب والفضة وهو ناري ليستخرج جواهرهم من معادنهم بنفخة الوسواس فلا يقدر أن يخرج من كل معدن إلا ما هو جوهره.

وبقوله: { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [سبأ: 22] يشير إلى الهوى والدنيا والشيطان فإن النفوس الحيوانية يعبدون هذه الأشياء ويتخذونها آلهة لاحتياجهم بها { لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [سبأ: 22] سماوات القلوب { وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [سبأ: 22] أرض النفوس من سعادة ولا شقاوة، وما لهم فيهما من شرك أي: شركة في إصلاح القلوب والنفوس وإفسادها، فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء وما له أي: { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } [سبأ: 22] أي: معاونة في الإصلاح والإفساد وإن كانوا وسائط لهذا المعنى؛ لأنهم كالمال للصانع، فالصانع واحد والآلات والأدوات كثيرة.

السابقالتالي
2