الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } * { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } * { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً }

ثم أخبر عن صلة رحم الأبوة بالنبوة بقوله تعالى: { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب: 6] أي أحق بهم في توليتهم من صلب النبوة من أنفسهم؛ لأنهم لا يقدرون على توليد أنفسهم في النشأة الثانية، كما لم يقدروا على توليد أنفسهم في النشأة الأولى، وكان أبوهم أحق بهم من أنفسهم في توليدهم من صلبه، فالنبي بمنزلة أبيهم { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [الأحزاب: 6] يشير إلى أن أمهاتهم قلوبهم، وهنَّ أزواجه ليتصرف في قلوبهم تصرف الذكور في الإناث بشرط كمال التسليم؛ لتأخذوا من صلب النبي نطفة الولاية في أرحام القلوب، وإذا حملوا النطفة صانوها من الآفات؛ لئلا تسقطوا بأدنى رائحة من روائح حب الدنيا وشهواتها فإنها تسقط الجنين فيرتدوا على أعقابهم كما لم يؤمنوا به أول مرة.

ثم قال { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } [الأحزاب: 6] يعني بعد أولوية النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين أولوا الأرحام في الدين بعضهم أولى ببعض للتربية بعد النبي صلى الله عليه وسلم أكابرهم من المؤمنين الكاملين أولى بأصاغرهم من الطالبين { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي: في سنة الله وتقديره للتوليد في النشأة الثانية عن النبي صلى الله عليه وسلم { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بالنشأة الأخرى { وَٱلْمُهَاجِرِينَ } عما سوى الله { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ } [الأحزاب: 6] يشير إلى النفس إذا تزكت عن الأخلاق الذميمة وتبدلت عداوتها، فصارت من الأولياء بعد أن كانت من الأعداء فيواسها ويعمل { مَّعْرُوفاً } برفق من الأفارق { كَانَ ذَلِكَ } المعروف في حق النفس مقداراً { فِي ٱلْكِتَابِ } عند الله { مَسْطُوراً } في أم الكتاب.

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ } [الأحزاب: 7] في الأزل وهم في كتم العدم مختفون { وَمِنْكَ } يا محمد أولا بالحبيبية { وَمِن نُّوحٍ } بالدعوة، { وَ } من { إِبْرَاهِيمَ } بالخلة، { وَ } من { مُوسَىٰ } بالمكالمة، { وَ } من { عِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } بالعبدية { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [الأحزاب: 7] بالوفاء وبغلظة الميثاق يشير إلى أن غلظنا ميثاقهم بالتأييد والتوفيق للوفاء به.

{ لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ } [الأحزاب: 8] في العهد والوفاء { عَن صِدْقِهِمْ } [الأحزاب: 8] لما صدقوا إظهاراً لصدقهم كما أثنى عليهمرِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } [الأحزاب: 23] وكان سؤال تشريف لا سؤال تعنيف، وسؤال إيجاب لا سؤال عتاب، والصدق أن لا يكون في أحوالكم شوب، ولا في أعمالكم عيب، ولا في اعتقادكم ريب ومن أمارات الصدق في المعاملة وجود الإخلاص من غير ملاحظة مخلوق، وفي الأحوال تصفيتها من غير مداخلة إعجاب، وفي القول سلامته من المعارض، وفيما بينك وبين الناس التباعد من التلبيس والتدليس، وفيما بينك وبين الله بإدامة التبرؤ عن الحول والقوة بل الخروج عن الوجود المجازي شوقاً إلى الوجود الحقيقي { وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ } [الأحزاب: 8] المنكرين على هذه المقامات، المعرضين عن هذه الكرامات { عَذَاباً أَلِيماً } [الأحزاب: 8] من الحسرات والغرامات.

السابقالتالي
2