الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } * { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } * { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } * { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

ثم أخبر عن إيذاء أهل الأهواء للأنبياء والأولياء بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } [الأحزاب: 69] يشير إلى هذه الأمة بكلام قديم أزلي أن لا تكونوا كأمة موسى في الدنيا الإيذاء فإنه من صفات السباع بل كونوا أشداء على الكفار رحماء بينكم ولهذا المعنى قال صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " والمؤمن من أمنه الناس " وقوله: { لاَ تَكُونُواْ } نهي جزم عند تكوينهم بنفي هذه الصفة عنهم أي: كونوا ولا تكونوا بهذه الصفة فيه إشارة إلى أن كل موجود عند إيجاده بأمر كن مأمور بصفة مخصوصة به ومنهي عن صفة مخصوصة به فكان كل موجود كما أمر بأمر التكوين ولم يكن كما نهى بنهي التكوين.

كما قال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم:فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } [هود: 112] أي: كما أمرت بالاستقامة بأمر التكوين عند الإيجاد فكان كما أمر قال تعالى ناهيا له بنهي التكوين:فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } [الأنعام: 35] فلم يكن من الجاهلين كما نهى عن الجهل وبقوله: { وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } [الأحزاب: 69] يشير إلى أن موسى عليه السلام كان في الأزل عند الله متصفا بالوجاهة، فلا يكون غير وجيه بتغير بني إسرائيل إياه كما قيل:
إنْ كنتُ عندكَ يا مولاي مُطَّرَحاً   فعند غيرِك محمولٌ على الحَدَقِ
وبقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } [الأحزاب: 70] { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } [الأحزاب: 71] يشير إلى أن الإيمان لا يكمل إلا بالتقوى وهو التوحيد عقداً وحفظ الحدود وجهداً، ولا يحصل سداد أعمال التقوى إلا بالقول السديد وهو كلمة لا إله إلا الله، فبالمداومة على قول هذه الكلمة شرائطها { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } أي: أعمال التقوى يقال سواد أقوالكم سداد أعمالكم وسداد الأقوال وسداد الأعمال يحصل سداد الأحوال وهو قوله: { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [الأحزاب: 71] وهو عبارة عن دفع الحجب الظلمانية بنور المغفرة الربانية { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ } [الأحزاب: 71] فيما أمره ونهاه ويطع رسوله فيما أرشده وهداه إلى صراط مستقيم متابعته { فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب: 71] بالخروج عن الحجب الوجودية بالفناء في وجود الهوية والبقاء ببقاء الربوبية.

وبقوله: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } [الأحزاب: 72] أي: عليها وعلى أهاليها يشير إلى أن حقيقة الأمانة وهي التي عبر عنها بالفوز العظيم، وقد فسرنا الفوز العظيم بالفناء في الله والبقاء بالله وهو عبارة عن قبول الفيض الإلهي بلا واسطة فالحاصل أن حقيقة الأمانة هي الفيض الإلهي بلا واسطة ولهذا سمى بالأمانة؛ لأنه من صفات الحق تعالى فلا يتملكه أحد وقد اختص الإنسان بقبول هذا الفيض وحمله من سائر المخلوقات لاختصاصه بإصابة رشاش النور الإلهي لقوله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3