الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } * { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

ثم أخبر عن جبر قلوب أرباب الحجرات بتحريم المحللات بقوله تعالى: { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ } [الأحزاب: 52] الإشارة فيها ما يتعلق بتربية نفس النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن الله تعالى وسع الأمر عليه في باب النكاح حظيت نفسه بشرب من مشاربها موجب لانحراف مزاجها كمن أكل طعاماً حلواً حاراً صفراوياً فيحتاج إلى غذاء حامض بارد دافع للصفراء حفظا للصحة، فالله تعالى من كمال عنايته في حق حبيبه غذاه بحامض.

{ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } [الأحزاب: 52] لأن حلاوته تزيد في الحرارة التي يتولد منها عين القلوب لتسكين الحرارة ورفع الصفراء ولاعتدال المزاج القلبي والنفسي.

ومنها: ما يتعلق بتربية نفوس أزواجه، وذلك أن الله تعالى لما ضيق الأمر عليهن في باب الصبر على ما أحله للنبي صلى الله عليه وسلم وتوسع أمر النكاح عليه وخيره في الإرجاء والإيواء إليه كان أحمض في مذاقهن وأبرد شيء لمزاج قلوبهن فغذاهن بحلاوة { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ } من العدم وسكن بها برودة مزاج قلوبهن حفظاً لسلامة قلوبهن وجبراً لانكسارها.

ومنها: ما يتعلق بمواعظ نفوس رجال الأمة ونسائها ليتعظوا بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأحوال أزواجه وأمته { إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً } [الأحزاب: 52] يراقب مصالحهم.

وبقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } [الأحزاب: 53] يشير إلى حفظ الأدب في الاستئذان ومراعاة الوقت وإيجاب الاحترام، فإذا أذن لكم فادخلوا على وجه الأدب وحفظ أحكام تلك الحضرة، وإذا انتهت حوائجكم فاخرجوا ولا يتغافلوا عنكم ولا يمنعكم حسن خلقه من حفظ الأدب، ولا يحملنكم فرط احتشامه على الإبرام عليه { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } [الأحزاب: 53] وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم جرّهم على المباسطة الموجبة أن أنزل الله هذه الآية.

وبقوله: { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب: 53] يشير إلى أن البشر بشر وإن كانوا من الصحابة وأن النساء نساء، وإن كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمن أحد على نفسه من الرجال والنساء ولهذا شدد الأمر في الشريعة بأن لا يخلو رجل بامرأة ليس بينهما محرمية { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً } [الأحزاب: 53] هذا يعظم أمره صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين ووقاره ليعظمونه ويوقرونه في جميع الأحوال وفي حال حياته وبعد وفاته بقدر ازدياد تعظيمه وتوقيره في القلوب يزداد نور الإيمان فيها ولكم للمريدين مع الشيوخ في رعاية هذه الآداب أسوة حسنة لأن الشيخ في قومه كالنبي في أمته { إِنَّ ذٰلِكُمْ } [الأحزاب: 53] أي: ملاحظة شيء من هذا { كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } [الأحزاب: 53] أي: ذنباً عظيماً يشير بهذه العظمة إلى عظمته صلى الله عليه وسلم عند الله وكمال عزته في تلك الحضرة { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً } [الأحزاب: 54] من ترك الأدب وحفظ الحرمة وتعظيم شأنه صلى الله عليه وسلم: { أَوْ تُخْفُوهُ } [الأحزاب: 54] في أنفسكم { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ } [الأحزاب: 54] تعملونه في السر والعلانية وبمقدار جزائه من الحسنة والسيئة { عَلِيماً }.