الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } * { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } كلام قديم وخطاب أزلي، وهو صلى الله عليه وسلم الأبد في كتم العدم بلا هو، وكان الأمر أمر التكوين فأسمعه الله تعالى في العدم كما أسمع السماوات والأرض، وهما في العدمٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [فصلت: 11] ولما كان الأمر إليهما أمر التكوين فأجاباه بلسان الكينونة، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما خوطب بأمر التكوين أفق الله أجاب الله بلسان الكينونية: اتقيت الله، فكان في الأزل إلى الأبد كما كان متقياً، ولما قال تعالى: { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } [الأحزاب: 1] لم يكن مطيعاً لهم من الأزل إلى الأبد كما كان نبياً من الأزل إلى الأبد لقوله: " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين " { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً } [الأحزاب: 1] بحالك { حَكِيماً } [الأحزاب: 1] فيما قدر لك { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ } [الأحزاب: 2] وهذا أيضاً من التكوين يعني اتبع إلى الأبد ما يوحى بالخطاب الأزلي من ربك { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ } [الأحزاب: 2-3] توكلاً أزلياً أبدياً { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } [الأحزاب: 3] لك فيما أنعم عليك بنعمة النبوة وهذه النعمة التي لا يمكنك تحصيلها بالأصالة، فهو حصلها لك بالوكالة وبقوله: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } [الأحزاب: 4] يشير إلى أن القلب صدق درة المحبة، والمحبة أمانتي التي عرضتهاعَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } [الأحزاب: 72] وأمرتكم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، فأهلها أمانة المحبة حضرة جلالي فلا تخوني في أمانتي أي: فلا تحبوا غيري، ولا تكونوا ممن يتخذون الله أنداداً يحبونهم كحب الله أي يصرفون محبة الله في الأنداد وكونوا كالذين آمنوا وهمأَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } [البقرة: 165] يعني أهل الإيمان ما خانوا في أمانة المحبة وردوها إلى أهلها.

فمعنى الآية أن القلب واحد والمحبة واحدة فلا تصلح إلا لمحبوب واحد من غير شريك فإنه أغنى الشركاء عن الشرك ولا يقبل محبة بالشركة وبقوله: { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } [الأحزاب: 4] يشير إلى أن في القرابة النسبية خواص لا توجد في القرابة السببية وهي مما أودع الله فيها بالحكمة البالغة وعليها أحكام مبنية من الشريعة والطريقة والحقيقةسُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [الفتح: 23] فلا سبيل لأحد أن يضع في الأزواج بالظهار ما وضع الله في الأمهات، ولا أن تضع الإجابة بالمني ما وضع الله في الأبناء، فإن الولد سر أبيه كما قال تعالى: { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } [الأحزاب: 4] فما لم يجعل الله ليس مقدور أحد أن يجعله { ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } [الأحزاب: 4] لا حقيقة له { وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } [الأحزاب: 4] أي: اسم كل شيء مناسب لمعناه كما هدى آدم بتعليم الأسماء كلها وخصه بهذا العلم دون الملائكة المقربين { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } [الأحزاب: 5] فيما اختصهم به بقوله: { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } [الأحزاب: 5] يشير إلى أن آباءهم الحقيقة الذين ولدوهم من أرحام قلوبهم في عالم الملكوت وهي النشأة الثانية من الأنبياء { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [الأحزاب: 5] في معرفة الإنسان، فإن النسب الحقيقي ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه النسبة الباقية كما قال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2