الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } * { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }

وقوله: { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً } [الأحزاب: 31] أي: تعمل لله خالصاً غير مشرب بطمع الجنة؛ ولهذا قال الله ورسوله: ولم يعمل للدار الآخرة { نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } [الأحزاب: 31] يشير إلى أن الطاعة والعمل الصالح من غير شوب يوجب أجر المزيد في القرب وبتبعيتها يوجب أجراً آخر في درجات الجنة { وَأَعْتَدْنَا لَهَا } [الأحزاب: 31] بمزيد العناية { رِزْقاً كَرِيماً } [الأحزاب: 31] والكريم هو الله أي: يرزقه من المشاهدات الربانية والمكاشفات والمكالمات مزيداً على القربة، وهذا معنى قوله:وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } [النساء: 40].

وقوله: { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [الأحزاب: 32] يشير إلى أرباب قلوب أسرار أرحام قلوبهم لتصرفات ولاية المشايخ ليست أحوالهم كأحوال غيرهم من الحق { إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ } بالله من غيره { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } لشيء من الدارين على أن تخضع له بالقول لا بالقلب والعمل بزعمك، فإن كثيرا من الصادقين يخضعون لأرباب الدنيا والأعمال الدنيوية لصلاح الآخرة ومصالح الدين بزعمهم، فبالتدريج وقعوا في ورطة الهلاك ورجعوا القهقرى إلى الدنيا واستغرقوا في بحر الغفلات لضعف الحالات، وهذا معنى قوله: { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } [الأحزاب: 32].

وقوله: { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [الأحزاب: 32] يشير إلى أن لا يشرعوا في شيء من أحوال الدنيا وأعمالها إلا بحسب القوة والقدرة التي يغلبون عليها بالمعروف، ولا يغلب عليكم بالنكرات { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [الأحزاب: 33] يخاطب به القلوب أن يقروا في أوطانهم من عالم الملكوت من الأرواح متوجهين إلى الحضرة { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } [الأحزاب: 33] أي: لا تخرجوا إلى عالم الحواس راغبين في زينة الدنيا وشهواتها كما هو من عادات الجهلة.

{ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ } [الأحزاب: 33] بدوام الحضور والمراقبة والعروج إلى الله بالسير، فإن الصلاة معراج المؤمن بأن يرفع يديه من الدنيا ويكبر عليها، ويقبل على الله بالإعراض عما سواه ويرجع من مقام تكبر الإنساني إلى خضوع ركوع الحيواني، ومنه إلى خضوع سجود النباتي، ثم إلى قعود الجمادي، فإنه بهذا الطريق أهبط إلى أسفل القالب، فيكون رجوعه بهذا الطريق إلى أن يصل إلى مقام الشهود الذي كان فيه في البداية الروحانية يتشهد بالتحية والثناء على الحضرة، ثم يسلم عن يمينه على الآخرة وما فيها ويسلم عن شماله على الدنيا وما فيها مستغرقاً في بحر الألوهية بإقامة الصلاة وإدامتها.

{ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ } [الأحزاب: 33] فالزكاة ما زاد على الوجود الحقيقي من الوجود المجازي فإيتاؤها صرفها وإفناؤها في الوجود الحقيقي بطريق { وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ } [الأحزاب: 33] وهو لوث الحدوث بشراب طهر تجلي صفات جماله وجلاله: { أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } [الأحزاب: 33] لا يكون عن تلوثاً { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } [الأحزاب: 34] يشير به إلى تذكر عظيم النعمة التي تصل من مواهب الحق، وجليل الحالة التي تجري في بيوت القلوب من الواردات والإشارات والشواهد والكشوف وحقائق القرآن وأسراره وأنواره ومواعظه والحكمة التي فيه { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً } [الأحزاب: 34] بعباده بأن جعل قلوبهم مرآة صفات لطفه ومظهرها { خَبِيراً } [الأحزاب: 34] فيما صنع ولما صنع.