الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

ثم أخبر عن عذاب الدنيا أنه الأدنى بقوله تعالى: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } [السجدة: 21] يشير إلى أرباب الطلب وأصحاب السلوك إذا وقعت لأحدهم في إنشاء السلوك وقفة لعجب بداخله ولملالة وسآمة للنفس، أو لحسبان وغرور في قبول أو رفعت له فترة بالتفاته إلى شيء من الدنيا وزينتها وشهواتها فابتلاه الله ابتلاء في نفسه أو ماله أو مصيبة في أهاليه وأقربائه وأحبائه لعلم بإذاقة عذاب البلاء والمحن انتبهوا من نوم الغفلة وتداركوا أيام العطلة قبل أن يذيقهم العذاب الأكبر بالخذلان والهجران وقسوة القلب، كما قال تعالى:وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام: 110] إلى صدق طلبهم وشرح إرادتهم وعلو محبتهموَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا } [الكهف: 57] إذا نبذ العبد بأنواع الزجر وحرك في الترك حدود الوفاق مصون من التأديب ثم لم يردع عن فعله واغتر بطول سلامته وأمن هواجم مكره وخفايا سره أخذه بغتة بحيث لا يجد خرجة من أخذته، كما قال تعالى: { إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } [السجدة: 22] المصرين على جرمهم { مُنتَقِمُونَ } [السجدة: 22] بخسارة الدارين.

وبقوله: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } [السجدة: 23] يشير إلى أن موسى عليه السلام لما أوتي الكتاب اليوم وهو حق سمعه، فلا شك يا محمد أنه يحظى غداً حظ بصره بالرؤية، ولكن بشفاعتك وبركة متابعتك واختصاصه في دعائه بقوله: اللهم اجعلني من أمة أحمد، فإن الرؤية مخصوصة بك وبتبعيتك لأمتك، وفيه إشارة أخرى، وهي أن لموسى القلب ينفتح في البداية إذنه لاستماع الكلام، فلما تأثر فيه شراب السماع وغلب عليه السكر هاج له شوق اللقاء فاستغاث إلى ربه:أَنظُرْ إِلَيْكَ } [الأعراف: 143] ثم ينفتح بصره فنودي مبشراً له فلا تكن في مرية من لقاءه { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى } [السجدة: 23] الهاء كناية عن موسى القلب هدى لبني إسرائيل صفات القلب { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً } [السجدة: 24] وهم السر والخفاء { يَهْدُونَ } [السجدة: 24] بأمرنا إلينا لما صبروا على مجادلي أحكامنا الأزلية وصبروا على مقاساة شدائد التزكية والتصفية إلى أوان استحقاق التجلية يتجلي صفات الربوبية { وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة: 24] أي: بشواهد آثار التجلي منا { يُوقِنُونَ } [السجدة: 24] أنه بلا ريب.

ثم أخبر عن أصل الفصل بقوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ } [السجدة: 25] يشير إلى أنه تبارك وتعالى يحكم بين عباده لوجوه:

أولها: لعزتهم لأنهم عنده أعز من أن يجعل حكمهم إلى أحد من المخلوقين بل هو بفضله وكرمه يكون حاكما عليهم.

وثانيها: غيرة عليهم لئلا يطلع على أحوالهم أحد غيره.

وثالثها: رحمةً وكرماً فإنه ستار لا يفشي عيوبهم ويستر عن الأغيار ذنوبهم.

السابقالتالي
2