الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } * { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } * { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } * { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }

كما أمره الله تعالى بقوله: { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } [لقمان: 17] أي: أدمها، وأدامتها في أن ينتهي من الفحشاء والمنكر فإنه تعالى وصف الصلاة بأنتَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } [العنكبوت: 45] فإنه في الصلاة وإن لم يكن على هيئاتها، ومن لم يكن منتهياً عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، وإن كان مؤدياً هيئاتها، ولهذا المعنى ذكر عقيب قوله: { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } ، وقوله: { وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } [لقمان: 17] يشير به إلى أن تأمر قلبك بالمعروف والمعروف ما يوصل العبد إلى الله وتنهي نفسك عن المنكر والمنكر ما يشغل العبد عن الله.

وقوله: { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ } [لقمان: 17] يشير إلى أن البلاء والمحنة فلا بد للمريد الصادق أن يصبر على ما أصابه في أثناء الطلب مما ابتلاه الله به من الخوف من الأعداء في الظاهر أو من الأعداء في الباطن والجوع من الجوع الظاهر عند قلة الغذاء للنفس أو مفارقة الأولاد والأهالي والإخوان والأخدان والثمرات يعني: ثمرات المجاهدات.وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } [البقرة: 155] على هذه الأحوال بأنعَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } [البقرة: 157] إلى الحضرة { إِنَّ ذَلِكَ } [لقمان: 17] المقدمات { مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [لقمان: 17] الموصلة للعبد إلى الرب { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } [لقمان: 18] تكبراً وتجبراً معجباً بما فتح الله عليك فتكون بهذا مفسداً في لحظة ما أصلحته في مدة.

{ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } [لقمان: 18] كمشية الجبارين وأيضاً ولا تمش مرحاً في طلب الحق تعالى بالتوالي والسكون كمشية المختال الفخور { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [لقمان: 18] في السير إليه فخور بما مال من الحق على الناس بطريق العجب والنظر إليهم بالحقارة { وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } [لقمان: 19] بين مشي المتكاسل الجبان المتعلل وبين مشي المتسارع المستعجل المقدام { وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ } [لقمان: 19] في إظهار الدعاوى وكتمان المعاني كن فانياً عن شواهدك مصطلماً عن قولك مأخوذاً عن حولك وقوتك بما استولى عليك من كشوفات سرك وانظر من الذي يسمع صوتك حتى تستفيق من خمار غفلتك بل من سكر إعجابك وحسبانك، { إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } [لقمان: 19] فيه إشارة إلى أن الذي يتكلم في لسان المعرفة من غير إذن من الحق وقالوا: هو صوفي يتكلم قبل أوانه.

ثم أخبر عن كمال عنايته في أهل ولايته بقوله تعالى: { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [لقمان: 20] يشير إلى ما في سماوات القلوب من الصدق والإخلاص والتوكل واليقين والصبر والشكر وسائر المقامات القلبية والروحانية والمواهب الربانية وتسخيرها بأن يستر العورة عليها بالسير والسلوك المتداركة بالجذبة والانتفاع بمنافعها والاجتناب عن مضارها وإلى ما في أرض النفوس من الأوصاف الذميمة مثل الكبر والحسد والحقد والبخل والحرص والشره والشهوة وغيرها تبديلها بالأخلاق الحميدة والعبور عليها والتمتع بخواصها محترزاً عن عواقبها.

السابقالتالي
2