الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }

{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ } [لقمان: 13] الروح لابنه وهو السر المتولد من ازدواج الروح والقلب { وَهُوَ يَعِظُهُ } [لقمان: 13] أي: لا يتصف بصفات النفس وأن من صفاتها الشرك فإنها تعبد الهوى والشيطان والدنيا فقال: { يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ } [لقمان: 13] بالالتفات إلى الدارين وما فيهما، { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13] على نفس المشرك لا على الله تعالى؛ لأنه وضع شيئاً من المخلوقات بتعبده موضع تعبد الحق تعالى فأعرض عن الحق بالتوجه إلى ذلك الشيء وفوت على نفسه الوصول إلى التوحيد عند طلب الوصول إلى ما أشرك به، فأي ظلم أعظم على النفس من فواتها الوصول إلى التوحيد واتصالها بالشرك.

{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ } [لقمان: 14] يشير به إلى السر بوالديه وهما الروح والقلب { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ } [لقمان: 14] وهي القلب، { وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } [لقمان: 14] تعباً على تعب وجهاداً على جهاد، يعني: على النفس عند حمل ولد السر لئلا يوصل إلى مشام القلب رائحة مشتهياتها فيسقط جنين السر وجهاد آخر عند وضع حمل السر لئلا يذبحه فإنها كفرعون لموسى السر؛ لأن هلاكها يكون على يده وبقوله: { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [لقمان: 14] يشير إلى فطامه من مألوفات الدارين فإنه هو معدن الإخلاص الذي هو سر بينه وبين الله لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، { أَنِ ٱشْكُرْ لِي } [لقمان: 14] إذ أنعمت عليك بأن أجعلك مخزن أسراري { وَلِوَالِدَيْكَ } [لقمان: 14] إذ أنعما عليك بحسن { إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } [لقمان: 14] أي: ليكون مرجعكم إليَّ في جميع الحالات لا إلى غيري.

وبقوله: { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } [لقمان: 15] يشير إلى أن الروح طبيعة روحانية لو خلى إلى طبيعة يتعلق بمستحسنات طبعه من الروحانيات الأخرويات وأن القلب وإن لم يكن له طبيعة خاصة يتعلق بها؛ ولكنه قابل لطبيعة الروح وطبيعة النفس، فتارة يميل إلى الآخرة بتبعية الروح وتارة يميل إلى الدنيا بتبعية النفس، وكلتاهما الطاغوت وللسر طبيعة الإخلاص لو خلى إلى طبعه فيقول: { وَإِن جَاهَدَاكَ } والد الروح ووالدة القلب على أن يتعلق بشيء من الدارين لا على طبيعتك وهي الإخلاص في التوحيد { فَلاَ تُطِعْهُمَا } فتكون مشركاً وفي هذا المعنى إشارة لطيفة وهي أن للروح والقلب تكون فترات وأحوال مختلفة بحسب الأوقات تزل قدمها عن صراط التوحيد فعلاً وصفةً، فإذا كان السر محفوظاً على طبعه من الإخلاص في التوحيد فيرجعان سريعاً إلى طبع السر في التوحيد، وإن تغير السر عن طبيعته من الإخلاص في التوحيد فذلك المصيبة العظمى وفي التدارك وإصلاح حاله إمكان بعيد وإن كان الروح والقلب والنفس والبدن كل واحد منهم يقوم بأداء ما يجب عليه من الشرع والعقل لا ينفعهم من فساد حال السر فافهم جدّاً.

السابقالتالي
2