الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } [الروم: 54] في البداية ضعف العقل.

{ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ } [الروم: 54] في العقل بالبراهين والحجج.

{ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ضَعْفاً وَشَيْبَةً } [الروم: 54] في الإيمان لمن كان العقل عقيلته فكما تعقل بعلاقة المعقولات، فينظر فيها بداعية الهوى بنظر مشوب بآفة الوهم والخيال، فيقع في ظلمات الشبهات فتزل قدمه عن الصراط المستقيم والدين القويم فيهلك كما هلك فمن شرع في تعلم المعقولات بلا نور المتابعة ونور الشريعة وسعوا في إبطال الشريعة بظلمة الطبيعة.يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } [الصف: 8] وأيضاً خلقكم من ضعف أي ضعف التردد والتحير في الطلب، ثم جعل من بعد ضعف قوة في صدق الطلب، ثم جعل من بعد قوة في الطلب ضعفاً في حمل القول الثقيل وهو حقيقة قوله: لا إله إلا الله فإنها توجب الفناء الحقيقي في المعنى ويوجب الضعف الحقيقي في الصورة بحمل المعاتبات والمعاشقات التي تجري بين المحبين فإنها تورث الضعف أو الشيب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " شيبتني سورة هود وأخواتها " فإن فيها كانت إشارة من المعاشقات بقوله:فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } [هود: 112].

{ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } [الروم: 54] من القوة والضعف في السعيد والشقي، فيخلق في السعيد قوة الإيمان وضعف البشرية وفي الشقي قوة البشرية لقبول الكفر وضعف الروحانية لقبول الإيمان { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ } بأهل السعادة، { ٱلْقَدِيرُ } بخلق أسباب الشقاوة فيه.

{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } [الروم: 55] يشير إلى يوم تطلع شمس العناية عن شرق قلب أهل السعادة.يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [إبراهيم: 48] إذا أشرقت الأرض بنور ربها تقوم قيامتهم وتبعث القلوب الميتة عن قبور تواليها بنفخ صور الجذبة الإلهية، فيقسم المجرمون الذين كانوا إلى يوم البعث مقبلين على الدنيا معرضين عن الحق تعالى ما لبثوا في قبور القوالب غير ساعة فقط استقبلوا أيام غفلتهم وهم مقبورون في قبر القوالب الدنيوية في مقابل صباح تجلت فيه شمس جذبة العناية وهو صباح إشراق بنور أزلي أبدي فرأوا الأيام المعدودة الدنيوية المتناهية الفانية بالنسبة إلى صباح يوم أزلي أبدي كساعة ولا تستغرب أن عدد أيامهم المعدودة في هذا العرض ساعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما صبح ليلة المعراج بهذا الصباح كأن الدنيا ساعة فجعلها طاعة فقد رأى مدة عمر الدنيا بالنسبة إلى ذلك الصباح كساعة.

{ كَذَلِكَ كَانُواْ } [الروم: 55] يعني في أيام جاهليتهم وأوان غفلتهم { يُؤْفَكُونَ } [الروم: 55] يكذبون أو يحسبون بزعم نفوسهم لا يموتون بهذا الموت الإرادي ولا يبعثون بهذا البعث الجذباتي الرباني.

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } اللدني { وَٱلإِيمَانَ } العياني وهم القلوب والأرواح والأسرار الذين أحيوا بنور جذبة الحق فرأوا بدار الحقيقة حقيقة الأمر قالوا: { لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } [الروم: 56] وهو التقدير الأزلي في أم الكتاب { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ } فهذا يوم البعث الحقيقي، { وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [الروم: 56] أن تستحقوا لهذه السعادة العظمى.