الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

ثم أخبر عن الإنسان الناسي ذكر الله الموكول إلى طبعه بقوله: { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً } [الروم: 36] في صورة نعمة الدنيا أو شهوة النفس والهوى { فَرِحُواْ بِهَا } [الروم: 36] وغرتهم الحياة الدنيا وأعرضوا عن عبودية المولى.

{ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } [الروم: 36] شدة وضيق في حظوظ النفوس وفوات ملائم الطبع والهوى بشؤم { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من مخالفات أمر المولى، { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } من رحمة المولى ولا يرجعون عن متابعة الهوى، وليس هذا من دأب المحبوبين وليس هذا من دأب المحبين ولا من دأب المريدين، قال الله تعالى في وصفهملِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ } [الحديد: 23].

ثم قال: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الروم: 37] والإشارة فيه أن لا يعلق العبد قلبه إلا بالله؛ لأن ما يسوءه ليس زواله إلا من الله، وما يسره ليس وجوده إلا من الله، فالبسط الذي سَرَّه ويؤنسه من وجوده، والقبض الذي يسوءه ويوحشه منه حصوله، فالواجب لزوم حقوقه بالأسرار وقطع الأفكار من الأغيار.

وبقوله تعالى: { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } [الروم: 38] يشير إلى أن القرابة على قسمين: قرابة النسب، وقرابة الدِّين.

فقرابة الدين: أمس بالمواساة والمراعاة أحق وهم الإخوان في الله والأولاد من طلب الولاية من أهل الإرادة الذين تمسكوا بأذيال الأكابر منقطعين إلى الله مشتغلين بطلب الله متجردين عن الدنيا غير مستفرغين للمعيشة، فالواجب على الأغنياء بالله القيام بأداء حقوقهم فيها يكون لهم عرف على الاشتغال بموجب الطلب بفراغ القلب.

{ وَٱلْمِسْكِينَ } من يكون محروماً عن صدق الطلب وهو من أهل الطاعة والعبادة أو طالب العلم فمعاونته بقدر الإمكان وحسب الحال واجبة.

{ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } المسافر فحقه القيام بشأنه بحكم الوقت فمن تكون همته الطلب أعلى فهو من أقارب ذوي القربى وبإيثار الوقت عليه أولى فحقه آكد وتفقده أوجب، { ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [الروم: 38] بسعادة الدارين وسيادتها.

{ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً } [الروم: 39] أي بغير واجب عليكم من الإنفاق على الأغنياء لاستمالة قلوبهم واصطيادها، { لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } [الروم: 39] بأن يستجلب منهم بالاستعطاف { فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } إن لم يكن لوجه الله، وبقوله: { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } [الروم: 39] يشير إلى إنفاق المال في سبيل الله تزكية للنفس عن لوث حب الدنيا كما كان حال أبي بكر رضي الله عنه تجرد عن ماله تزكية لنفسه.

كما أخبر الله تعالى عن حاله بقوله:وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى * ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ }

السابقالتالي
2