الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

ثم أخبر عن طلب الهداية لآية التأويلات بالدراية { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } [آل عمران: 8]، إشارة في التحقيق الآيتين: إن الله تعالى بعد أن ذكر الراسخين في العلم وتذكر أولوا الألباب، ذكر وظيفة حالهم شكر المنعم وحفظاً للنعمة، وألهم لمزيد النعمة بقوله تعالى: { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } [آل عمران: 8]، هذا الحال لمن هدى إلى صراط مستقيم، { رَبَّنَا } [آل عمران: 8]؛ أي: خالقنا ومربينا وهدينا، { لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } [آل عمران: 8]، عن صراطك المستقيم باستيلاء أهوائنا، وغلبات شهواتنا، وظلمات طبائعنا، { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } [آل عمران: 8]، إلى حضرة جلالك ونورت قلوبنا بأنوار جمالك، حتى سمعنا بلب التنزيل، وانصرنا بلب أنصارنا لب التأويل، وتذكرنا بلب عقولنا لب علوم علمتنا، كما أزغت قلوبنا بعد إذ هديتنا في الميثاق إلى شهود شواهد جمالك، واستماع مقالك وحسن إجابة سؤالك، وجبت علينا من سجال نوالك وفيض فضلك وأفضالك، مجيئنا بشهودنا عن شهودك، ووجودك وبوجودنا عن وجودك، وبتفقدنا عن تفقدك، وغيبتنا بنا عنك بأوصافنا عن أوصافك، وبذواتنا عن ذاتك، { وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } [آل عمران: 8]، تجذبنا عن لَدُنا إلى لدنك عنا، [وتقربنا] بك بصفاتك عن صفاتنا، وبذاتك عن ذواتنا، وهذا وظيفة الحال لأرباب هذه الأحوال أن لا يسكنوا ولا يقفوا مع حال، وإن يعلموا أن لا نهاية لمواهبه، ولا غاية لمطالب طالبه فيكونوا إلى الأبد طلاباً، كما كان الله تعالى من الأزل إلى الأبد وما باقي قوله تعالى: { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } [آل عمران: 9]، إشارة إلى: إن بعد هذه الدار داراً وهي دار القرار، وإن النعم للإبرار، وإن الجحيم للفجار، وإن مكسب البر والفجور هذه الدار، وإن أجر البر والفاجر { لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ } [آل عمران: 9]؛ ولهذا يجمعهم ليوفيهم أجورهم التي كسبوا من الخير والشر بالثواب والعقاب، كقوله تعالى:فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [آل عمران: 25]، فلا تسكنوا عن الطلب، وتجهدوا بالنصب، وتزودوا للمعاد، وتزودوا في التعب، فإن حصول الأرب بقدر رعاية الأدب في الطلب ومقاساة التعب والنصب، وتزودوا للمعاد من زاد التقوى فإنها خير الزاد، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [آل عمران: 9].

ثم أخبر عن قوم لم يتزودوا، وأزيد الزاد للمعاد ولا يفنى عنهم الأموال والأولاد بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [آل عمران: 10]، إِشارة في تحقيق الآيتين: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [آل عمران: 10]؛ أي: ستروا أنوار روحانيتهم بظلمات الصفات، نفسانيتهم من جحود الحق وإنكاره وإتباع الهوى إلى الشهوات،

السابقالتالي
2