الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ } * { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } * { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

ثم أخبر عن إحساس عيسى عليه السلام لما كفر الناس بقوله تعالى: { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [آل عمران: 52]، إشارة في الآية: إن عيسى الروح أحسن من النفس وصفاتها الكفر، { قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [آل عمران: 52]، أعواني في الله { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } [آل عمران: 52]؛ يعني: القلب وصفاته { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } [آل عمران: 52]؛ أي: أعوان الله في نصرة الحق { آمَنَّا بِٱللَّهِ } [آل عمران: 52]؛ أي: بوحدانيته والتبري عن غيره { وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 52]؛ أي: مستسلمون لأحكامه، راغبون بقضائه، صابرون على بلائه { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ } [آل عمران: 53]، من الحكم والأسرار واللطائف والحقائق { وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ } [آل عمران: 53]، الوارد من نفخات ألطافك ومنحات إعطائك { فَٱكْتُبْنَا } [آل عمران: 53]، فاجعلنا { مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ } [آل عمران: 53]، الذين يشهدون شواهد جلالك ويشاهدون أنوار جمالك { وَمَكَرُواْ } [آل عمران: 54]؛ يعني: النفس وصفاتها والشياطين وعنانها في هلاك الروح { وَمَكَرَ ٱللَّهُ } [آل عمران: 54]، بتجلي صفات قهره في فناء النفس وصفاتها { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [آل عمران: 54]، في قهر النفس وصفاتها بالسوء وإفناء صفاتها، وقمع هواها وقلع شهواتها.

ثم أخبر عن رفعه عيسى عليه السلام حباً وهو المتوفى بقوله تعالى: { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } [آل عمران: 55]، والإشارة في الآيات: إن الله قال لعيسى: أني متوفيك عن الصفات النفسانية والأوصاف الحيوانية، ورافعك إليَّ بجذبات العناية، وهذا كما أسرى بعبده صلى الله عليه وسلم إلىقَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 9]، ومن خواص جذبة الربوبية: تطهير الصفات البشرية، يدل عليه قوله تعالى: { وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [آل عمران: 55]؛ أي: ومطهرك من أخلاق الذين كفروا وأوصافهم { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ } [آل عمران: 55]، بالأعمال الظاهرة وهي الشريعة، والأحوال الباطنة وهي الطريقة، { فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } [آل عمران: 55]، في التحقيق بالعهد، والغلبة والعزة والبرهان والحجة وهم أهل الإسلام؛ لأنهم الذين اتبعوا دينه وسنته، وما اتبعه حقيقة من دعاء رباً وابن الله، { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } [آل عمران: 55]، باللطف والقهر والاختيار على قدم السلوك، أو بالاضطرار عند نزع الروح، { فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } [آل عمران: 55] بالقبول والرد، والثواب والعقاب، { فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [آل عمران: 55]، من الحق والباطل، واتباع الهدى والهوى.

{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [آل عمران: 56]، ستروا الحق بالباطل واتبعوا الهوى، فضلوا عن طريق الهدى { فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا } [آل عمران: 56]، بحجاب الغفلة والاشتغال بغير الله تعالى، { وَٱلآخِرَةِ } [آل عمران: 56]، بالقطيعة والبعد عن الله تعالى { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [آل عمران: 56]، في الدنيا والآخرة على خلاصهم من العذاب.