الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } * { وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } * { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } * { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

ثم أخبر عن ظهور الآيات أنها موجبة لمزيد الطاعات بقوله تعالى: { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } [آل عمران: 40]، الإشارة في الآيتين: إن استبعاد زكريا عليه السلام الولد وتعجبه في قوله: { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } [آل عمران: 40]، ما كان من قبل قدرة الله تعالى، ولكن من قبل استحقاقه لنيل هذه الكرامة؛ يعني: بأي استحقاق يكون لي غلام { وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } [آل عمران: 40]؛ أي: هكذا يعطي الله من يشاء لمن يشاء فضلاً منه ورحمة، لا استحقاقاً في شيء من الأشياء، كقوله تعالى:ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [الحديد: 21].

{ قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً } [آل عمران: 41]، استدل بها على أن لك معي هذا الفضل تخصني بنيل هذه الكرامة من العالمين، { قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً } [آل عمران: 41]، وإنما جعل آيته في احتباسه عن الكلام لغلبات الصفات الروحانية عليه، واستيلاء سلطان الحقيقة على قلبه، فإن النفس الناطقة تكون مغلوبة في تلك الحالة بشواهد الحق في الغيب، فلا تفرغ إلى جلاء عادتها في الشهادة في الكلام إلا رمزاً، وبهذا يتقوى الروح الطبعي والروح الحيواني وتستمد منه القوى البشرية، فيحيي الله به الشهوة الميتة التي أحياها الله تعالى فيحيا، والاستبقاء بهذه الحالة واستمرارها أمر في هذه الأيام الثلاثة بأن يستمد من كثرة ذكر ربه، وإقامة المراقبة بالليل والنهار، وإقامة الصلاة { وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } [آل عمران: 41].

ثم أخبر عن الاصطفاء من النساء بقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ } [آل عمران: 42]، الإشارة في الآيات: إن المصطفى من الخليقة من اصطفاه تعالى فضلاً منه ورحمة لا استحقاقاً واستعداداً، كما ظن إبليس أنه مستحق للخيرية ومستعد بقوله:أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [الأعراف: 12]، واعلم أن الاصطفاء على أنواع مختلفة منها:

اصطفاء على غير الجنس: كاصطفاء آدم عليه السلام على غير جنسه من المخلوقات بقوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ } [آل عمران: 33]، ولم يكن له جنس حين خلقه، واصطفاه وأسجد له ملائكته.

ومنها: اصطفاء على غير الجنس وعلى الجنس: كاصطفاء محمد صلى الله عليه وسلم على جميع المكونات بقوله: " لولاك ما خلقت الأفلاك ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " أنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة تحت آدم ومن دونه ولا فخر، وأنا أول شافع يشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يقرع باب الجنة فيفتح لي، فأدخلها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر ".


السابقالتالي
2 3