الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } * { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }

ثم أخبر عن أهل العناية من حافظي الولاية بقوله تعالى: { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ } [آل عمران: 28]، الإشارة في الآيتين: لا يتخذ المؤمنون الكافرون { أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 28]؛ أي: من إمارة الإيمان أن لا يمكن للمؤمن من سؤالات الكفار ومودتهم؛ لأنهم أوثق عدوى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وإن مودة الكفار وموالاتهم كفر، كما أن الرضاء بالكفر كفر، والضدان لا يجتمعان، فلا يجتمع في قلب المؤمن حب الله ورسوله والمؤمنين وحب الكافرين أبداً؛ لقوله تعالى: { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } [آل عمران: 28]؛ يعني: من يتخذ الكافرين أولياء { فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ } [آل عمران: 28]؛ أي: من محبة الله في شيء، وفيه إشارة أخرى: إن القلب المؤمن؛ هو الذي لا يتخذ الكافرين من النفس الأمارة والشيطان والهوى والدنيا أولياء من دون المؤمنين، من الروح والسر وصفاتهما، { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } [آل عمران: 28]، قلب من القلوب؛ فليس ذلك القلب من الله من أنواره وألطافه ومواهبه ونظر عنايته ورحمته في شيء، { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } [آل عمران: 28]؛ يعني: إلا أن تخافوا من هلاك النفوس؛ هي مركب الروح، فرجوعها إلى الحضرة الربوبية تسير إلى الحق فيواسيها ويداريها؛ لئلا يعجز عن السير في الرجوع ويهلك في الطريق من كثرة معادات القلب ومخالفة هواها وشدة ارتياحها، { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران: 28]؛ أي: ذاته، والمراد منه: صفات قهره؛ لأن ذاته تعالى موصوف بصفات اللطف وصفات القهر، والتحذير لا يكون إلا من صفات القهر، والإشارة فيها: إن موالاة النفس معاداة الحق، فمن كان حاله معاداة الحق فلا بد من المصير إليه، ففي يوم يكون { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } [آل عمران: 28]، لا خفي من الله إلا القهر والعداوات، ولا يخطئ منه إلا بعذاب البعد وعقاب الهجران.

{ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ } [آل عمران: 29]، من معاداة الحق في ضمن موالاة النفس بدعوى الإيمان والإسلام وسلام محبته، { أَوْ تُبْدُوهُ } [آل عمران: 29]، بمخالفات أوامره ونواهيه، وموافقات دواعي النفس وشهواتها ومتابعة هواها، { يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 29]، بالقليل والكثير، والنفير والقطمير، { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [آل عمران: 29]، قلوبكم من موالاة النفس ومعاداة الحق { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 29]، نفوسكم من مخالفات الحق وموافقات الهوى، فيجازيكم على قدر الموالاة والمعاداة بقوله تعالى: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } [آل عمران: 30]، إشارة في الآية: إن يوم القيامة { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً } [آل عمران: 30]، أثره في ذاتها وصفاتها، وكذلك ما عملت من شر، وذلك الأشر كان معها في الدنيا محضراً، ولكن نظر النفس كان محجوباً بحجاب الغفلة، لم تكن تجده محضراً معها، فإذا كشف عنه الحجاب تجده حاضراً معها، كما قال تعالى:

السابقالتالي
2 3 4